البيان والبيان المضاد





بتسمية الرباعيات الاربع جعل السيد اليوت من الضروري لأي ناقد ، بالرغم من اعترافه بالقصور في المعرفة التقنية للشكل الموسيقي ، مناقشة مدي استفادته من فن الموسيقي في توفير حل لمشكلة ايجاد شكل للقصيدة الطويلة . لقد أعطي بضعة تأكيدات حول مدي الاستفادة هذا في محاضرته عن موسيقي الشعر : "أحسب ان الشاعر يملك ان ينتفع كثيراً من دراسة الموسيقي . ولكنني لا اعرف مقدار المعرفة التقنية المطلوبة للشكل الموسيقي . فأنا لا أملك شيئاً من هذه المعرفة التقنية شخصياً ولكن اعتقد ان الخواص التي تثير اهتمام الشاعر في الموسيقي هي الاحساس بالايقاع والاحساس بالبنية ، وان بأمكان الشاعر العمل علي مقربة من هذا التشابه الجزئي الموسيقي . قد تكون النتيجة مفتعلة . ولكنني اعرف ان القصيدة ، او مقطعاً منها ، قد تتبين اولاً ، كأيقاع مستقل قبل ان تصل الي مرحلة التعبير بالكلمات ، وان هذا الايقاع قد يوصل الي ولادة الفكرة والصورة . ولا اعتقد بأن هذه التجربة خاصة بي . ان استعمال المواضيع المتكررة امر طبيعي في كلا الشعر والموسيقي . هناك امكانات في الشعر تنطوي علي شيء من التشابه الجرئي لنمو الموضوع الموسيقي علي مجموعة من الآلات الموسيقية المختلفة . وهناك امكانات تتيسر مقارنتها بين تحولات القصيدة وبين الحركات المختلفة للسيمفونية او الرباعية الوترية ."

كما يظهر العنوان ، كل قصيدة من حيث البنية انما هي المرادف الشعري للسيمفونية اوالرباعية او السوناتا الكلاسيكية . هذه البنية تبدو واضحة حين تقرأ القصائد الاربع مجتمعة شأنها شأن قصيدة الارض الخراب . وهي اكثر صرامة مما تبدو عليه حين تقرأ كل قصيدة علي حدة . ولكنها طيعة كفاية بحيث تسمح لصياغات وتعديلات كثيرة لهيئاتها الاساسية . انها قادرة علي الغني السيمفوني كما في الارض الخراب وعلي جمالٍ موسيقي الغرفة كما في بيرنت نورتن . يبدو الشكل متكيفا بصورة تامة مع طريقة مبدعه في صياغة الافكار والمشاعر ، ومع رغبته في ان يمتثل للقوانين الشعرية الصارمة . وفي ذات الوقت بأن يملك حرية في تطوير القصيدة قادرة علي الاستجابة للتنويع، وحرية في تقريب الافكار والتجارب التي كثيراً ما تنفصل عن بعض ان جمع حرية العمل الظاهرة بالصرامة الفعلية انما تنم عن حاجات ملحة لحساسيته.

كل قصيدة من الرباعيات الاربع تضم خمس حركات ـ والتسمية هنا موسيقية ـ وكل حركة تنطوي علي بنيانها الضروري الداخلي . الحركة الاولي تفترض تشابها موسيقيا جزئيا. كل قصيدة تحتوي علي بيان ـ و بيان مضاد ، او علي فكرتين اساسيتين متعارضتين ولكن متصلتين ببعض ، تشبهان الموضوع الاول والثاني للحركة الواحدة في شكل السوناتا الصارم . هذا التشابه الجزئي يجب ان لا يؤخذ حرفياً . ان السيد اليوت لا يقلد شكل السوناتا . ففي كل قصيدة تبدو معالجة الموضوعين مختلفة قليلاً، كمعالجة صورتي النهر والبحر في دراي سالفج ، بأعتبارهما ضربين مختلفين من الزمن ، الزمن الذي نشعر به في نبضنا، في حياتنا الشخصية ، والزمن الآخر الذي نتعرف عليه عبر مخيلتنا، ممتداً وراءنا ، ووراء متناول قلم المؤرخ ، ومستمراً بعد رحيلنا . الموضوعان قدما متغايرين بنجاح . الحركة الأولي في بيرنت نورتن تعرض تقسيماً متشابهاً في بيانين . التغاير هنا بين تأمل تجريدي نظري وبين تجربة في حديقة . بين تفكر في الوعي وبين تقديم لهذا الوعي . ولكن في ايست كوكر تتوزع الحركة الاولي علي أربعة مقاطع ، الفكرة الاولي حول زمن السنوات والفصول وايقاع الولادة والنمو والموت يبدأ في المقطع الثالث . الفكرة الثانية ، حول تجربة ان تكون خارج الوقت وحول توقف الوقت ، انما تعرض عند الختام ، بينما في لتل جيدنغ اكثر القصائد موسيقية ، فالمقطع الثالث ما هو الا تطوير للمقطعين السابقين ، ناسجاً عبارات منها بضرب من تشكيل البيان المضاد . بصورة عامة يمكن القول ان الحركة الاولي مبنية علي تعارضات تحاول القصيدة ان توفق بينها.

هيلين غوردنر

"The music in the Four Quartets" . The Art of T.S.Eliot . Helen Gordner


View shamasnah's Full Portfolio