دستور يا أسيادنا ..

Folder: 
مقالات

دستور يا أسيادنا ..

                                   بقلم / عبدالله عبداللطيف المحامي*

       الدستور هو أبو القوانين في أي دولة ، هو الذي يحدد شكل نظام الحكم ، وينظم السلطات العامة في الدولة والعلاقة فيما بينها ، هو الذي ينص علي الحقوق والواجبات ، هو الوثيقة القانونية العليا التي ينبغي أن تسير في فاكها كافة القوانين والقرارات واللوائح وتصرفات السلطات ، وإلا كانت غير شرعية غير دستورية .

       ومن القواعد الدستورية البديهية في أي مجتمع متحضر ، أن ينظم الدستور مبدأ الفصل بين السلطات ، وأن يحمي حقوق المواطنة ، وأن يعلو القانون علي السياسات إذ هو الذي يرسمها ويحدد مسارها وليس العكس ، وأن يسمو علي القوانين ، وأن يحمي ما يمكن أن نسميه دولة المؤسسات إعلاءا لدور المجتمع وسيادة القانون علي دور وتحكم وإستبداد الفرد .

فماذا عن الوضع في مصر ؟

        الدستور المصري المعمول به حاليا هو الصادر بتاريخ الحادي عشر من سبتمبر 1971 والمعدل بتاريخ 22/5/1980 ، وهو يتكون من وثيقة إعلان الدستور ، ويتكون من 211 مادة ، تقع في سبع أبواب ، الباب الأول تناول الدولة والباب الثاني تحدث عن المقومات الإجتماعية والخلقية ، والباب الثالث أورد الحريات والحقوق والواجبات العامة ، والباب الرابع أقر مبدأ سيادة القانون ، وتحدث الباب الخامس عن نظام الحكم ، والباب السادس عبارة عن أحكام عامة وإنتقالية ، وأتي الباب السابع بأحكام جديدة تتعلق بمجلس الشوري وسلطة الصحافة .

وتتوالي النداءات بضرورة تعديل أحكام الدستور المصري ، ويرد علي تلك النداءات إتجاه يري أن الدستور بألف خير وأن مسألة تعديله ليست سهلة أبدا ، ثم تأتينا الرياح بدعاوي الإصلاح السياسي ، هذا الإصلاح المختلف عليه أيكون خارجيا أم داخليا ... وفي تقديري إن صدق النوايا في عملية الإصلاح أو النظر في أمر تعديل الدستور ينبغي أن يؤخذ الأمر مأخذ الجد وأن نأخذ الأمر بجدية إن أردنا إصلاحا حيث أن الوضع الحالي لا ينبأ بأي جدية في الأمر فلازلنا نمارس الأمر من خلال اللافتات والشعارات وحسب .

وفي الحقيقة من يقرأ الدستور المصري – بصرف النظر عن جودة نصوصه أو غير ذلك – لابد أن يصاب بالدهشة ، فالدستور يتحدث عن مجتمع كان ... وليس المجتمع بصورته الحالية ، يتحدث الدستور عن مجتمع إشتراكي ، يتحدث بخطاب الستينات ولا ادري ما علاقة مجتمعنا في الوقت الحاضر بالاشتراكية والسلوك الاشتراكي وتحالف قوي الشعب العاملة .

تصوروا وثيقة إعلان الدستور تتحدث عن صيغة تحالف قوي الشعب العاملة ، والمادة الأولي من الدستور تغيظنا بنصها علي أن مصر دولة نظامها إشتراكي ديمقراطي يقوم علي تحالف قوي الشعب العاملة ، والمادة الرابعة تؤكد علي ان الاساس الاقتصادي لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكي الديمقراطي القائم علي الكفاية والعدل بما يحول دون الاستغلال ويؤدي الي تقريب الفوارق بين الدخول ويحمي الكسب المشروع ويكفل عدالة توزيع الاعباء والتكاليف العامة ، علما بأن هاتين المادتين معدلتان  بتاريخ 22/5/1980

والمادة 12 تنص علي ان يلتزم المجتمع برعاية السلوك الاشتراكي ، والمادة 23 تؤكد تنظيم الاقتصاد القومي وفقا لخطة شاملة ... وفي المادة 24 يسيطر الشعب علي كل ادوات الانتاج ...

هل نتصور ان هذه نصوص وردت في الدستور النافذ والمعمول به في مصر ... ووكافة القوانين التي يجب ان تحترم الدستور بل والقرارات اللائحية او التنظيمية تقفز علي نصوص الدستور بل وتصريحات المسئولين وعلاقات المجتمع والخطاب السائد بدءا من بيع القطاع العام انتهاءا الي اعتبار الاشتراكية رجس من عمل الشيطان .. اما صيغة تحالف قوي الشعب العامل – الله يرحمها – لا اري لها اثرا في الواقع المصري الحالي .

عجيب أمر دستورنا .. وعجيب أمر نظامنا الحاكم .. وعجيب أمر كل السياسيين مؤيدين أو معارضين ، كيف نتكلم عن ثمة إصلاح وهذا حال الدستور هو في وادي وبر مصر كله في وادي آخر .. لو إسترسلت في إيراد نماذج مدهشة من مواد الدستور لن تكفيني صفحات هذا المقال ، ربما أحاول إختصار الأمر بإيراد ثلاثة أمثلة من شأنها تبيان حقيقة الأمر .

أولا .. التنظيم الواحد والتعددية .. كانت المادة الخامسة من الدستور المصري الحالي تنص علي أن يقوم النظام السياسي في مصر علي التنظيم الواحد – الإتحاد الإشتراكي العربي - ، وفي منتصف السبعينات قرر الرئيس السادات إنشاء ما سمي بالمنابر وارادها السادات ثلاث منابر الوسط واليسار واليمين ، وقد كانت المنابر الثلاث رغم أنف نص المادة الخامسة من الدستور ، وفي العام 1977 أراد السادات أن يطور مسألة المنابر إلي أحزاب ، وصدر القانون رقم 40 لسنة 1977 ونشر بالجريدة الرسمية بالعدد 27 بتاريخ 7/7/1977 علي الرغم ان المادة الخامسة من الدستور ظلت علي حالها تؤكد علي التنظيم السياسي الواحد ، غير أن القانون أخرج لسانه لتلك المادة ونص علي التعددية الحزبية كرغبة الحاكم بل وجاءت نصوصه – وفقا للدستور – والدستور بريء منها .

حتي جاء العام 1980 وتم تعديل المادة الخامسة من الدستور لتتوافق مع القانون الصادر قبل ثلاث سنوات .. المسألة معكوسة ، القانون يخرق الدستور ، ويتم العمل بالقانون الغير دستوري ، ويتم بعدها تعديل الدستور ليساير القانون .

ثانيا .. مدة الرئاسة

كانت المادة 77 من الدستور المصري الحالي تنص علي ان مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية .. ولا يجوز اعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لمدتين متتاليتين .

ولما إقتربت الساعة من نهاية مدة الرئيس السادات الثانية وتحديدا عام 1980 ، ووفقا للنص الأصلي لم يكن يحق له أن ينتخب رئيسا للجمهورية لمدة ثالثة ، كان لابد من تعديل الدستور حتي ننعم بمدة رئاسة ثالثة ورابعة للرئيس السادات ، فكان التعديل الدستوري عام 1980 المقصود منه بالأساس تعديل هذه المادة ، وماتم تعديله من مواد أخري بالدستور كان ذرا للرماد في العيون ، فالمستهدف إطالة أمد الرئيس علي كرسي الرياسة ، وبالفعل تم التعديل للمادة لتصبح ويجوز إعادة إنتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخري ، يعني مفتوحة ، وسبحان الله القدر لم يمهل السادات للآستفادة من هذا التعديل وقطف ثمار المغامرة بالدستور ، حيث تم إغتياله في أكتوبر 1981 ، والذي إستفاد من النص المعدل هو الرئيس الحالي .

ثالثا .. المجلس سيد قراره

نص المادة 93 من الدستور اختص مجلس الشعب بالفصل في صحة عضوية أعضائه ، وخص محكمة النقض – أعلي وأرفع محكمة في النظام القضائي المصري – فقط بالتحقيق في صحة الطعون الي المجلس ، وتعرض نتيجة التحقيق والرأي الذي إنتهت إليه محكمة النقض علي مجلس الشعب .. ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس .

ثلاثة نماذج أوردها .. لأتساءل بعدها هل نحن قوم نحترم أحكام الدستور ؟ أم أن رغبة الحاكم هي الدستور الحقيقي الذي نلتزم بها ... يحضرني هنا في هذا المقام واقعة تعديل الدستور السوري الذي كان يشترط فيمن يرشح لرئاسة الجمهورية أن يكون قد بلغ أربعين سنة ميلادية ، ولكن بشار الأسد لم يكن بلغ الأربعين ، بسرعة تم تعديل الدستور ليناسب سن بشار الأسد حتي يصبح رئيسا للجمهورية .

وتتكلمون بعد ذلك عن أهمية وضرورة تعديل الدستور ؟

بل وتطمحون أكثر وتنادون بالإصلاح السياسي ؟

دستور يا أسيادنا  



---------

* عضو المكتب التنفيذي ومجلس أمناء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان









      


View abdalla_lawer's Full Portfolio