3- وللصوت لون

"3"

 

كثيراً ما تأخذنا الحياة بعيداً عمّا نتمناه أو ما خططنا له. 

فإن كنا من أهل الإيمان بالغيبيات، وجدنا في ذلك إشارة و رضينا بما نراه قد قُسم لنا منذ الأزل. 

و إن كنا من أهل العناد و التصميم، كرّرنا المحاولة ذاتها و لو قرمشت عمرنا كلّه تكّة تكّة.. ولم نقبل المساومة على هدفنا بهدف آخر. 

و إن كنا من أهل .... "لا أجد مسمّى يليق بهم" .. تساوى بأعيننا ما يأتي و ما يروح..  و لنا في كلّ هدف بديل..  نعتاش منه في رحاب اللحظة..  و نمصّ ضرع المضارع بلا أطلال او سين تسويف. 

المهم..... 

أنني حين حشوت وسادتي بترّهاتي..  كان ظنّي أني أحقق غايتين.. 

أولهما أن أفرغ رأسي و حياتي من القيل و القال..  و أشكال الأدب وفنون الكلام..  و أنعم براحة البال.. 

و ثانيهما.. الاحتفاظ بها لاستعادتها لحظة ملل أو حنين..  أو تركها لأحد أبنائي إن صادف أنه مصاب بلوثة الكتابة مثلي ليستوحي من هذيانها أفكاراً جديدة بدون نسخ و رسخ و فسخ. 

لم يخطر ببالي أبداً أن ما أريد غير ما تريد..  و أقصد الحياة. 

فما أن وضعت رأسي على الوسادة حتى تناهى لسمعي أنين مكتوم..

أنين عتيق أسودُ من تلك الليلة الكالحة. 

أسود؟!

وهل للأصوات ألوان ؟؟؟!!

حتماً فالأصوات لها اشتقاقات ألوان قوس قزح مضافاً لها الأسود الفرد و الأبيض المركب..  وصوت شفّاف كالروح من أمر ربّي..

أخذ الأنين المكتوم يعلو و يعلو حتى كأنه لم يبق سواه في الكون.. 

تغابيت عن معرفتي به..  وصممت أذني عن سماعه بوضع الوسادة فوق رأسي، فصار الأنين استغاثة و نجدة. 

هذه القصيدة أعرفها أكثر من جلدي، كممت فاهها قبل أن يكتموه لأنه كان الحقيقة السوداء السافرة. 

هي ذاتها المرأة العتيقة المجعدة التي أطلقت سراحها في رؤية قديمة من دورة المياه..  أيام اهتمامي بالرؤى. 

ظننتني أعدتها لحبسها و استرحت..  فأبت إلا الأنين .. 

و كأن الدهر ما كان سوى عرّابها لتظل حيّة في العالمين. 

 

يتبع.....

 

 

View thana-darwish's Full Portfolio