مواقيت

 

 

 

2

مواقيت

أتذكر حين قلت لي ذات حلم : طوبى لك ، لقد فزت بولاية اللحظة ، أنني رحت أتأمل رسالتك الشفوية تلك ، وأنا أتساءل ماذا أردت أن تبلغني من خبر ، ورغم فرحي ولو بومضة ولاية تتوّجني بها ، بعد سنين احتراقٍ واشتياق ، إلا أن نفسي التي راحت تتعرى من أثوابها عن طريق رسائل الحلم ، كانت مشغولةً بجمع حبّات الحقيقة حبّة حبّة ، وهي تحسب حتى ذلك الوقت ، أن سرّ سعادتها يكمن في المعرفة .
إذاً فكل تلك الخطوات التي مشيتها ، كل ذلك الزمن الذي مرّ عليّ في انتظاري وصبري ، كل ما بنيت بعد الهدم ، ما كان في حسابك يا حبيبي إلا لحظة ، لحظة فقط ؟!
أية مواقيت هي مواقيتك ، وأية أمانة عجزت الجبال عن حملها ، عرضت عليّ حملها يومذاك ، عبر زمنك الطويل وأوقاتك العجيبة ، فألف سنة مما نعد و حيناً خمسون ألف سنة ، ما هي إلا يوم من أيامك ، فقل لي ما الذي يعنيه عمر الإنسان وإن امتد مائة عام إلا عشر يوم من أيام الله .
لكني أعود وأقول ، أنه إن كان لأهل الطريق علامات و دلالات ، إشارات وتنبيهات ، والطريق عندهم مرهون بالسنوات ، و تحصل لهم عبر الزمن وقفات و نقلات , في مواقيت معلومة كعمر الثلاثين والأربعين .
إلا أن جذبة بالعشق تجعلك تخترق السموات و تطويها طيّ السجل للكتب ، و تختزل السنين بومضة خاطفة ، فتحقق بلحظة عشق ، ما يمضي أهل المعرفة سنوات بتحصيله .
فإن كان الزمن مطيّة السالك للوصول إلى ميقاته المعلوم ، إلا أنّ هذه المطيّة براقَ أهل العشق ، قدّس الله سرّهم المصون ، يسري بهم من حرامه إلى أقصاه ، بزفرة آه .
فآه وألف آه على حبيبي الحلاج العاشق ، الذي رمى نفسه في المعمعة ، و أهل المعرفة على الشط يمشون , يرثون لحاله و لأوصاله التي تقطعت بسكين العشق :
ماذا فعلت بنفسك يا طيب ، أما قرأت لا ترموا أنفسكم في التهلكة ، و هل حسبت اللجة أماً حنوناً ترأف بك ، أم لم يأتك خبر السالفين و ما فعلوه بالناقة و فصيلها ، في لعنةٍ حلّت عليهم إلى يوم الدين .
يضحك الحلاج و يشير إليه : دللني حبيبي ، ولا يدلل الحبُّ إلا أهل الجمال والوصال .
يعبر الحلاج إلى معشوقه ، تاركاً لهم أشعاره يتغنون بها في خلواتهم ، بين باكٍ و مفسرٍ و محللٍ
شهيد اللحظة ، يا حلّاج العشق ، شهيداً كنت و ستبقى عليهم في سجل الشاهدين ، لأن عندك علم اللحظة ، في كتابٍ لا يمسّه إلا المطهرون .

 

View thana-darwish's Full Portfolio