جرائم الحرب ومخططات تهويد القدس

عوني صادق



صحيفة الخليج الإماراتية 9/6/2005







مع بداية شهر يونيو/حزيران الجاري، بدأت بلدية القدس المحتلة العمل في إجراءات لهدم 88 منزلاً في حي البستان في مدينة سلوان (المعتبرة حياً من أحياء القدس حسب التنظيم "الإسرائيلي"). وتأتي هذه العملية، وهي الأكبر من نوعها منذ احتلال المدينة المقدسة في يونيو/ حزيران 1967، في إطار مخطط تهويد المدينة الموضوع منذ 1977. وكانت البلدية قد أصدرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تعليمات بهدم هذه المنازل بزعم أنها بنيت بصورة (غير قانونية)، لكن الحجة المذكورة في المخطط الموضوع في العام 1977 تقول إن المنطقة التي تقع فيها هذه المنازل ستتحول إلى حدائق عامة ولإقامة (مدينة داود) عليها، حيث كان يستحم فيها قبل ثلاثة آلاف عام!







أما الهدف الحقيقي فهو خلق تواصل مع المستوطنات المحيطة، وعزل وتفريغ المدينة من الفلسطينيين ومنعهم من الوصول إلى المسجد الأقصى تمهيداً لهدمه أيضاً. يحدث ذلك في وقت تزايدت فيه تحرشات وانتهاكات الجماعات اليهودية المتطرفة للمسجد، وارتفعت فيه بشكل غير مسبوق دعواتها لاقتحامه، وآخر هذه الدعوات حدد لها يوم 6 يونيو/حزيران في ذكرى احتلال المدينة.







وقد اعتبر وزير شؤون المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات أن عملية كهذه تنسف (عملية السلام) من أساسها، وطالب المجتمع الدولي واللجنة الرباعية المسؤولة عن تطبيق (خريطة الطريق)، بالتحرك فوراً لمنع تنفيذ العملية!



وتعتبر عمليات هدم المنازل في المناطق الواقعة تحت الاحتلال، من وجهة نظر القانون الدولي، جرائم حرب وضد الإنسانية، لكن الحكومات "الإسرائيلية" لم تقم يوماً ولا تقيم اليوم وزناً للقانون الدولي، وهي تتحدى المجتمع الدولي علناً وبكل وقاحة، وبتغطية أمريكية معلنة أيضاً.







وقد جاء في تقرير منظمة العفو الدولية الأخير الذي نشر يوم 24/5/2005 أن (بعض الأعمال) التي تقوم بها قوات الاحتلال "الإسرائيلي" ضد الفلسطينيين هي من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.



وأشار التقرير، ضمن هذه الجرائم، إلى قيام قوات الاحتلال “الإسرائيلي” بهدم مئات المنازل. وكان مركز المعلومات الفلسطيني قد أفاد في تقرير له بأن عدد المنازل التي تضررت كليا أو جزئيا في الفترة من 29/9/2000 حتى 28/2/2005 بسبب ما تقوم به قوات الاحتلال من أفعال، بلغ (69843) منزلاً، منها (7438) منزلاً دمرت بشكل كامل.



من جانبه، أعلن مركز المعلومات لحقوق الإنسان في الكيان الصهيوني (بتسليم)، في شهر مارس الماضي/آذار، أن "عدد الفلسطينيين المتضررين من جدار الفصل العنصري المعدل، الذي أقرته الحكومة "الإسرائيلية"، يصل إلى قرابة نصف مليون إنسان يسكنون في (85) بلدة وقرية. وبلغت الأراضي المصادرة بموجب الجدار (536) ألف دونم، وهي تعادل 6% من مجموع أراضي الضفة الغربية".







إن الجرائم "الإسرائيلية" بدأت قبل اغتصاب فلسطين وإقامة الدولة اليهودية ولم تتوقف حتى اللحظة، وكلها جرائم حرب وضد الإنسانية. وفي تقرير لمركز الإحصاء الفلسطيني، نشر في أول يونيو/حزيران الجاري، أن جريمة الاغتصاب لفلسطين نجم عنها احتلال أكثر من ثلاثة أرباع أراضي فلسطين التاريخية، وتدمير (531) تجمعاً سكانياً، وطرد حوالي 65% من المواطنين الفلسطينيين، والنتيجة أن 42% من الفلسطينيين أصبحوا اليوم لاجئين في فلسطين وفي كل بقاع الأرض!







وفي أحدث تقارير مركز المعلومات الوطني الفلسطيني المنشور في أول يونيو/حزيران الجاري أيضا، يتبين أنه منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في 28/9/2000 حتى 30/4/2005 بلغ عدد الشهداء من الفلسطينيين (4124) شهيداً و(53101) جريح، وبين الشهداء (750) طفلاً تحت 18 عاماً سقط (150) طفلاً منهم في العام 2004. وقد تم اعتقال أكثر من عشرين ألف فلسطيني، ولا يزال منهم في السجون "الإسرائيلية" حتى اليوم أكثر من ثمانية آلاف سجين بينهم (310) أطفال  و(126) امرأة.







إنه بالإضافة إلى مواصلة عمليات توسيع المستوطنات القائمة، وتحويل الكثير مما يسمى (البؤر الاستيطانية العشوائية) إلى مستوطنات ثابتة في مختلف مناطق ومدن الضفة الغربية، تركز حكومة شارون الآن أكثر اهتمامها على القدس بهدف تفريغها من سكانها العرب وعزلها نهائيا عن الضفة الغربية، على أساس أنها موضوع غير قابل للتفاوض عليه. وتخدم محاولات هدم المسجد الأقصى هدف تهويد المدينة بقدر ما يخدم تهويد المدينة هدف هدم المسجد. ووسط هذا كله يتحدث الرئيس الأمريكي جورج بوش، ويتبعه في حديثه العالم كله، عن إمكانية (إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة)! وتغرق السلطة الفلسطينية في لجة هذا الوهم، وتغرق معها الشعب الفلسطيني كله!







إن الاستنجاد بـ (المجتمع الدولي)، واللجنة الرباعية، لم يمنع في الماضي وفي ظروف دولية أفضل، الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة من اقتراف كل جرائم الحرب التي اقترفتها ضد الفلسطينيين وضد الإنسانية، كما أن كل قرارات مجلس الأمن المتعلقة بعدم جواز تغيير أوضاع المناطق الواقعة تحت الاحتلال، وكل القرارات الخاصة بالقدس والتي قضت بعدم جواز تغيير معالمها، لم توقف هذه الحكومات عن تنفيذ مخططاتها لتهويد المدينة المقدسة. والنتيجة المنطقية للسياسة الفلسطينية الراهنة والسياسات العربية العاجزة والمستسلمة للمطالب "الإسرائيلية" والأمريكية، هو أن ينتظر الفلسطينيون، وأن تنتظر القدس، وأن ينتظر المسجد الأقصى ما هو أسوأ..!




View tariqasrawi's Full Portfolio