الأسطورة في العصر الجاهلي



            

    

    



مقدمة



    الأسطورة هي الجزء الكلامي المصاحب للطقوس البدائية حسب رأي كثير من الباحثين ، وبعضهم يؤكدون أن الطقس أسبق من الأسطورة ، وقد احتفظ التراث الشعبي بكثير من العناصر الأسطورية والطقوسية ، والحكاية الخرافية والشعبية صيغة متطورة عن الأسطورة تحت تأثير صنعة القاص ، وتعتبر الأساطير أقدم مصدر لجميع المعارف الإنسانية .



المعنى العربي لكلمة أسطورة :



    الأساطير هي الأحاديث التي تفتقر إلى النظام ، وهي جمع الجمع للسطر الذي كتبه الأولون من الأباطيل والأحاديث العجيبة ، وسطر تسطيرا تعني أنه ألف وأتى بالأساطير . والأسطورة هي الأقوال المزخرفة المنمقة ، واستخدمت كلمة الأساطير في القرآن الكريم لتعني الأحاديث المتعلقة بالقدماء " قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ، إن هذا إلا أساطير الأولين " أي مما سطروا من أعاجيب الأحاديث وكذبها . وفي القرآن الكريم " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " . أما الخرافة فهي من خرف أي فسد عقله ، والخرافة هي الموضوعة من حديث الليل المستملح ، و( خرافة ) اسم رجل من قبيلة عذرة ، استهوته الجن فكان يحكي ما رآه ، فكذبوه ، وقالوا : ( حديث خرافة ) ، أو( حديث مستملح كذب ) ، ولم تذكر هذه الكلمة في القرآن الكريم ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها : قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : حدثيني . قالت : ما أحدثك حديث خرافة . أما الشاعر العربي الجاهلي فربط بين المدلول الغيبي للكلمة ، ومعناها اللغوي ، قال :



حياة ثم موت ثم نشر         حديث خرافة يا أم عمرو



الأساطير عند عرب الجاهلية :



    من الصعب دراسة الأساطير العربية القديمة بشكل علمي ، لأن مصادر التاريخ قليلة وغير موضوعية ، والأدب العربي القديم ضاع بسبب عدم وجود الكتابة عند العرب ، ومعظم ما كتب عن تاريخ الجاهلية كان بين 500 و 622م أي مئة سنة قبل الإسلام ، وقد وصلتنا عن طريق النقوش والرواة أخبار متقطعة مبعثرة مثل الأساطير البابلية التي اكتشفت في الألواح السبعة ، ونقوش الساميين الشماليين ، والأدب العربي الذي نعرفه يتعلق بالجاهلية قبل الإسلام بفترة قصيرة ، حيث دونه الكتاب ووصلنا عن طريقهم مثل سيرة ابن هشام ، وأخبار عبيد بن شرية ، والإكليل ، وحياة ا لحيوان للدميري ، وفي كتب المتأخرين مثل الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ، ومروج الذهب للمسعودي ، والأزرقي ، والبلخي ، والقز ويني ، والثعالبي ، والألو سي .



    كانت الأسطورة عند عرب الجاهلية تمثل علاقتهم بالكائنات ، وآراءهم في الحياة ، ومشاهداتهم ، وكانت مصدر أفكارهم ، ألهمتهم الشعر والأدب ، وكانت الدين والفلسفة معا .



    لم يستطع العربي الجاهلي أن يتصور ما وراء الطبيعة ، ولم يتخيل حياة بعد الممات ، وطبيعة بلاده الصحراوية جعلته يؤمن بالدهرية ، ويقدس الحجر ، والحيوان ، والأشجار .



    تأثر العربي الجاهلي بالوثنية البابلية ، وحين اشتهرت الأديان في شبه الجزيرة العربية ، تأثر بالأديان اليهودية والمسيحية ، وتأثر بآراء الصابئة خاصة في عبادة النجوم .



    وحسب آراء المؤرخين المهتمين بأنساب العرب ، يشترك العرب مع الفينيقيين والآشوريين والبابليين في أصولهم لأنهم يتشابهون في أجسادهم وعاداتهم ، ثم افترق العرب عنهم وصار لهم مميزات خاصة بسبب بيئة البادية . فالعرب هم بقايا الشعوب السالفة المبعثرة ، وحسب رأي الباحث رابرتسن سميث " إن الأمم التي تشعبت من أصل واحد قد تشترك في اتخاذ العقائد والشعائرالوراثية دينية أو غير دينية " .



    أثرت البيئة الصحراوية في الحجاز ونجد على طبيعة العرب ، فالأشجار نادرة ، والآبار والعيون قليلة ، مما جعل العربي الجاهلي يصبح اتكاليا ، يعتمد على القضاء والقدر ، وينتظر المطر ، ولا يميل إلى الأمور المعقدة ، وكان صافي الذهن يحب الكلمة الصريحة والبيان الواضح ، وقد وصف العربي القديم المرئيات بدقة ، ومالت غرائزه إلى المادة أكثر من المعاني والروح ، وعرف العرب بالعرافة التي تمثل طورا من تطور أوهام العرب بدأ من الطيرة والتفاؤل والتشاؤم ، وتطور حتى وصل إلى عبادة وتقديس الأصنام ، وصار العربي يستقسم بالأزلام ، والعرافة عند العرب نظرية مادية بحتة مبنية على الاستنباط من المحسوسات والعلامات ، وعرف العرب أيضا بالفراسة والقيافة ومعرفة الأثر .



    خلط الجاهليون معنى الدهر بالقضاء والقدر وتطورت هذه العقيدة حتى خضعوا لسلطان ( مناة وعوض ) ، وهي أصنام تعني الدهر ، فصار الدهر إلها من آلهة العرب ، وكانت غايتهم الخلود . وفي الأساطير العربية أن الملك ذو القرنين طمح إلى الخلود ، ووصل مع الخضر إلى عين االدهر ، يشرب منها الماء الذي يعطيه حياة أبدية ، لكنه منع من ذلك ، وطمح لقمان بن عاد إلى الخلود ، وارتبط خلوده ببقاء سبعة نسور على قيد الحياة آخر نسر اسمه ( لبد) ويعني الدهر ، لكن النسور ماتت واحدا تلو الآخر حتى جاء دور لبد الذي مات وانتهت حياة لقمان بموته .



كان خيال الجاهليين قادرا على توليد الأسطورة والخرافة بشكل تصوري ، فقد تصوروا الأشياء ، واسترجعوا التجارب وركبوا صورهم الشعرية المادية المحسوسة ، وتصورهم السمعي هام يظهر في الأساطير العربية ، وفكرتهم عن الأشياء الروحية تأخذ تصورا ماديا ، فقد تصوروا الروح في شكل الهامة ، والعمر الطويل في شكل النسر ، والشجاعة في شكل الأسد ، والأمانة في الكلب ، والصبر في الحمار ، والمكر والدهاء في الثعلب .



    عرفت بعض مظاهر الطوطمية عند الجاهليين ، وهي تقديس الحيوان ويكون هو الطوطم ، وهناك قبائل تسمت بأسماء الحيوان ، مثل بني كلب ، وبني نعامة ، وظنوا أن الحيوان يحميهم كما يحمي الطوطم أهله ، وكانوا يكفنون الحيوان ويدفنونه مثل الإنسان ، ويحزنون عليه ، وتفاءلوا بالطير ، ونباح الكلاب على مجيء الضيوف ، وتشاءموا من الثور مكسور القرن ، والغراب ، فقيل : " أشأم من غراب البين " ، وعبدوا الشاة ، وغيرها من الحيوانات ، ولم يكن هناك حيوان مخصص لقبيلة بعينها . وتظهر الفكرة الطوطمية في تصور الجن حيث اعتقدوا أنهم خلقوا من بيضة ، وأنهم من نسل الحيوان ، وكذلك الغيلان والسعالى والهوام ، حسب قول المسعودي في " مروج الذهب " ، وتطورت فكرة الجن بحيث إذا تحولت السعلاة إلى صورة امرأة تبقى رجلاها مثل رجلي الحمار أو العنزة . ونسبوا الأفراد والقبائل إلى نسل الجن ، وقيل إن بلقيس ملكة سبأ وذي القرنين من أولاد الجن ، وكان الجن يمثلون قوة الشر التي يقاومها شجعان القبيلة مثل تأبط شرا ، ولم تكن الجن طوطما ولا أبا للعرب لأنهم خافوا منها .



    وفي الأساطير العربية يمسخ الإنسان حجرا أو شجرا أو حيوانا ، جاء في ( عجائب المخلوقات) للقز ويني أن الصفا والمروة كانتا رجلا وامرأة ثم مسخا صخرتين ، وفي (حياة الحيوان) للدميري ورد أن أساف ونائلة كانا رجلا وامرأة فصارا صنمين ، وجاء في ( أخبار مكة) للأزرقي أن العربي لم يأكل الضب لأنه كان بظنه شخصا إسرائيليا مسخ ، وقال المقريزي في ( أخبار وادي حضرموت العجيبة) إنه كان بوادي حضرموت على مسيرة يومين من نجد قوم يقال لهم الصيعر يسكنون القفر في أودية ، وفرقة منهم تنقلب ذئابا ضارية أيام القحط ، وإذا أراد أحدهم أن يخرج إلى هيئة الإنسان تمرغ بالأرض ، وإذا به يرجع إنسانا سويا . واختلفوا في رؤيتهم للمسخ ، بعضهم زعم أن المسخ لا يتناسل ، ولا يبقى ، وبعضهم زعم إنه يبقى ويتناسل ، حتى جعلوا الضب والأرانب والكلاب من أولاد تلك الأمم التي مسخت في تلك الصور كما جاء في كتاب ( الحيوان) للجاحظ .



ومن معتقدات الجاهليين أن الجبال تؤثر في الإنسان ، فجبل أبي قبيس يزيل وجع الرأس ، وجبل خودقور يعلم السحر . واعتبروا شجرة النخيل من أقربائهم ، وتصوروا أنها تشبه الإنسان ، وكان الجاهلي يجعل شجرة ( الرتم ) حارسا على زوجته أثناء غيابه ، وقد قدسوا الأشجار وعبدوها ، فكانت طوطما ، ورأوا روح الشر في بعضها مثل ( الحماطة ) وهي شجرة تشبه شجرة التين ، وعبد العرب كل ما يتعلق بالأشجار من أغصان وجذور وقشور ، وعبدوا العظم والريش والناب والمخلب والحافر والسن والظفر والحجر ، وقدموا لها القرابين ، واتخذوها تميمة تحميهم ، وكانوا يعلقون على الصبي سن ثعلب وسن هرة خوفا من الخطف والنظرة . وعبدوا النار وكانوا يرونها في الأشجار ، وبطون الأحجار ، والجبال .



    عبد الجاهليون الأصنام التي تحولت حسب العصر ، لكنها لم تصل إلى مرتبة الآلهة حتى القرن السادس قبل الميلاد ، لأن الجاهلي لم يكن يعتقد أن الصنم خلقه أو خلق الكائنات ، فكان تارة يقدسه ، وتارة يسبه ويشتمه ، وقد يصنع صنما من التمر ، وحين يجوع يأكله ، وتأثر الجاهليون بالوثنية البابلية والرومانية واليمنية ، فعبدوا الزهرة ، ومردوخ ، أو بعل إله الشمس والمطر والخصب مثل البابليين . وكلمة صنم أصلها آرامي ، فقد ورد عن أصنام تهامة أن لوح تهامة يذكر أسماء الأصنام الآرامية الثلاثة صلم وسنكال وعشرة ، وصلم هو بعل نفسه ، ولم ينحت العرب الأصنام بل جلبوها من الخارج ، وأشهرها ( هبل ) وهو إله الخصب ، وهو نفسه مردوخ في بابل ، ويسمى تموز أيضا في بابل ، وهو من أعظم الأصنام التي نصبتها قريش في جوف الكعبة ، وكان من عقيق أحمر على صورة إنسان مكسور اليد اليمنى ، جعلت له قريش يدا من ذهب ، وكان إله مكة والكعبة ، و(مناة) ويعني المنا أي القدر ، وكان هذا الصنم منصوبا على ساحل البحر بين المدينة ومكة ، وعبده الهذليون وعظمه كل العرب خاصة الأوس والخزرج . و( اللات ) وهي اسم للشمس وقد أخذها العرب عن النبطيين وكانت صخرة مريعة بيضاء في الطائف ، ونسبوا لها فصل الصيف . و( العزى ) ، وهي نفسها عشتار عند البابليين ، إلهة فصل الربيع والحب ، وكان لها تمثال أو رمز تحمله قريش في حروبها ، وسميت الزهرة ، ونجمة الصبح . و ( ود ) ويعني شجرة الحب في البابلية ، وقيل إنه صنم إغريقي الأصل لأنه يشبه الصنم ( إيروس ) إله الحب عند اليونان ، فكان تمثاله على شكل رجل يرتدي حلتين ، وقد تقلد السيف ، وتنكب القوس ، وبين يديه حربة وجعبة فيها نبل ، وقد استمرت عبادته من عصر النبي نوح عليه السلام حتى العصر الإسلامي ، وكان يمثل الحب عند الجاهليين ، وهناك أصنام أخرى لا يتسع المجال لذكرها ، ثم تأثر الجاهليون باليهود والنصارى ، ومزجوا وثنيتهم باليهودية ، فكان لكل قبيلة صنم يعبدونه ويحلفون به ، ويعتبرونه إلههم ، وهكذا نرى أن الجاهليين لم يعرفوا معنى التوحيد ، عدا بعض الأشخاص مثل ورقة بن نوفل ، وعبد الله بن جحش ، الذين اعتنقا المسيحية ، وغيرهم من الحنفاء ، حتى جاء النبي محمد (ص) برسالة الإسلام والتوحيد ، وعبادة الله الواحد .



* ندى الدانا : أديبة وباحثة سورية . صدر لها :

- عند النافذة ، قصص قصيرة 1994

- أوراق اللعب أوراق الأشجار ، قصص قصيرة 1996

- مطر يطرق بابي ، شعر 1999

- كوكب السلام ، رواية خيال علمي للفتيان 2000






View nada's Full Portfolio