شرح عوالم ماجدولين الرفاعي ـ الحلقة الخامسة

الحلقة الخامسة من شرح عوالم ماجدولين الرفاعي

عبر النظر والتدقيق في تحليل رائعتها القصصية :

تبا لك ايها الموت



......................................................................



تقول ماجدولين :



أخيرا سأعانقك وأتلاشى في أحضانك وبين يديك..



اي اخير هذا

ومتى يصل هذا الاخير

وهل لها هي ان تعلن عن هذا الاخير ام احد غيرها

ولماذا تنتظر النهاية التي كما لو كانت تستيقنها عبر كلمة اخيرا

ولماذا كان عليها في الاخير ان تعانق الحبيب وتتلاشى في احضانه

متى بدأ العد لهذا الاخير

وهل كان عدا تنازليا ام تصاعديا

وهل يحتمل حبسه على الطول والعرض في كلا الاتجاهين العرضي والعمودي

او ان تنشد فيه كل معادلات العد العكسي او الطردي

........

في هذه الكلمة حالة وسطى من التعادل

مسائل كثيرة يمكن ان تتعالى حتى على نفس افق الانسان

الذي يمكن ان تضيع اشياؤه الرسمية فيه

فلا يعد بالامكان رؤيته

او استحالة عدم تميزه

انها تمنت عليه ان توافيه

او انه تمنى عليها ان يوافيها

عبر وعد لم نسمع به

ولم تخبرنا هي عنه شيئا

ولكنها تحلم في اللقاء به

هذا الحلم ربما دام طويلا

ولما تزل تعول عليه

فاذن سرعة اللقاء لم تتحدد

بقدر ما تحدد اليقين في استيعاب صفحة الامل

لانه كان زرع في نفسها مثله

والا ما كان لها ان تتشبع بضرورة اللقاء به

او حتى بشبهة التفكير بلقائه

لكنها تفرغ لوعتها في بوابة الزمن

حينما يكون لها ان تحلم

ومن ثم تنزع الى التصور

ومن ثم تتحرك نحو الانفتاح

تلك السياسات لم تعلم يقينها الا عبر الحب

ولم تسكب وجلها في خرير نأمته

الا حينما امتلأت سعادة

هذه السعادة تحرك بها في مجمل التداعيات

تلك الاستحضارات التي لم يشهدها اي زمن بعد

لكنها تقول للقارئ

انها ما تزال تنتظر

وانها ستلتقي بوعدها

حتى لو لم يحضرها

فانها سوف تلتقي به وتحضنه وتذوب فيه

لان في اخيرا شيء يدعو الى الدهشة

كما لو كانت متأكدة

انها ستفعل

وانه سيفعل

حتى لو استعصى عليها الحضور بين يديه

او استعصى عليه الحضور بين يديها

لانها كانت متأملة

ووقفتها تزيد بشرتها حلاوة

وهذه الطلاوة ما كانت تدخرها الا له

لذا كان لا بد ان يكون ثمة اخر لكل هذا الالق

القها ام القه

ام الق اللقاء

هل يمكن ان تنتهي هي بمجرد ان تلتقي به

وتنتهي هي الاخرى حياتها

بلحظة حب وسؤال عشق

وهل كانت عاشت عمرها من اجل هذه اللحظة وغيرها

لكن اطمئنانها كانت تنتزعه من افتراضات

تحكم وجودها النوعي في اللا حسيات

كما لو انها كانت شاهدت نهاية فلم

وهي الان تحكي لنا ما سيكون منها

لنا نحن الذين لم نشهد ولا حتى لقطة واحدة منه  

وانها سعيدة لمثلها

لذا فهي متأكدة منها كيف ستكون

حتى انها ستغمض عينيها

وتحكي لنا المشهد

ونحن نتطلع الى براعة االالوان في المشهد

حين يكون لنا ان نسمع لها

ونصغي لتعليقها

وهي مرخية الاجفان

مع كل ثبات لعزمها على الصدق في المقال

وابصارنا ما تزال تحدق في مشاهد الفلم نفسه

لكنها ما كانت أخيرا

لتعانقه وتتلاشى في أحضانه وبين يديه..

الا كطفلة تسعى بين يدي ابيها

تعانقه ولفرط عواطفها

فانها تتلاشى في احضانه

وليس في حضنه

لان في هذا الاخير اجتمع حضن كل اهلها

كانت كما لو انها تقول له

انك ابي وامي واخي واختي

انك كل اهلي وكل عمري

لذا فجمع الحضن

ما كان الا مؤديا لدلالات ترميزية مدهشة

وان استعادتها لذكراه

كان لها ان تعيد اليها كل خواطر ماضيها المدهش

وربما المقبل منه

لان نفس الحبيب كان يمثل املا لها

لذا فانها تتلاشى

من حيث انها تتماهى في العذاب المستلذ

وهو عمرها المحظور

ماضيا ومستقبلا

وتتذاوب في مشتمل اهلها ايضا

والذين ما كانوا اجتمعوا

الا في شخص حبيبها

حتى لو تحلق جمهور منهم حول سريرها

في عالم الشهود والواقع

ذلك ان الكفة كانت راجحة

كفة الحبيب وكفتهم

كان الحبيب يمثل كل الاهل

من الماضين ..

والباقين من الحضار

وما كان من حولها

ليتمثل الا صورة عائمة

ما تزال قابعة في مخيلتها

وهي صورة طبق الاصل للحاضر فقط

رغم ان لها وجود خارجي

وحيز متكامل

لم تضعف اقطاره

لذا ،

فهي كانت تحاول التمسك بصورة الحبيب

لانها صورة تسارع في الرحيل

ولا يقر لها قرار وثيق في اليد

بينما ما كانت صور المتحلقين حول سريرها

الا ثابتة ناصعة

قائمة وبحد ذاتها

ليس لها ان تزول

وبمثل هذه السرعة التي لصورة حبيبها ان تزول

اذ انها كانت مطمئنة الى عدم زوال صورتهم

بينما كانت متأكدة في الوقت ذاته

ان صورة الحبيب كانت قد زالت

لكنها تتمسك برعشة من ماضيه

كمن يتحرك في مأدبة

ويشتغل في خدمة مدعويه

هو لا يهتم بوجبة طعامه

لانه يعلم انها محجوزة له

ومتوفرة بين يديه

يتناولها متى شاء

لكن المدعوين لهم ان يتسابقوا

كي يتناولوا طعامهم

خوف ان يتأخروا عنها

حتى ينتابهم ربما الخجل والحرج بعدها

فلا يطالبوا بحصتهم من طعام المأدبة

وبذلك سيخسرون حظهم من الحفل والدعوة !

....................

لهذا كله

كان لها ان تلتصق اكثر بعالمها الاخر

غير المبصور من قبل أي احد من حولها

لانه ما كان لاحد ان يبصره سواها !

..................

حتى صار التلاشي في وجود الحبيب

يسبب لها لذة فاقعة

ونحن لا ننسى ان وجود الاهل من حولها

يزيدها تكالبا على الصورة المعلقة في اخيلتها

والتي استأثرت بها

ولم تفرط بها لحد الان

فلو كانت لوحدها

كان لوقع الذكرى ان يبتز منها

اثمانا باهظة

تدفعها على مضض

لانها كانت تعلم في حينها انها وحدها

لكن حينما تعلم انها محاطة

برفقة عائلية

تدللها وتعني بها

فسيزداد تعلقها بمن تحب

وبكل اهوائها ورغباتها

تدللا وتدلعا

كمن يصاب بمرض

وحوله اهلا يقومون وينهضون

فمع تظاهره بالانزعاج والضجر

الا انه في قرارة نفسه

ما كان الا مسرورا بحفاوتهم

واجتماعهم من حوله

لان في اقامتهم عليه

مسرة تذلل من عمق وجعه

وتزيد من خيلائه

حينما يجد كل هذا الفريق

يشتمل على حبه

ويعرب عن كل وده له

حتى يصير يزدهي بدلاله

من دون ان يكشف عن حقيقته المتماثلة للشفاء

بل انه في بعض المرات

ليزيد من تظاهره بالالم

كي يبقوا الى جانبه

ويشاطروه الهم

ويقللوا من وقع التعب

ويكرروا من مشاطراتهم الكلامية له

وتضامنهم الدلعي معه وحرصهم عليه

فيعكس دلعا من التوجع

كي يزداد اهتمامهم به

ولا ينفضوا عنه

فينبزوا في الاطراف

وحينها

فانه سيبقى لوحده

هذا كله دلالات مشاطرة

ربما احالت بنا الى لا وعي من المعاشرة في الحب

لدى البطلة

واحساسها بالغربة

والضياع

رغم انها تستلذ بحالة الوجع

المرادف لحالة التحبب اليها

من قبل كل من احاط بها

وتحلق حولها من الاهل  

..........................................

واذن !

البطلة في قصة ماجدولين

كانت تتحسس واقعها الاليم لفقدانها الحبيب

لكنها كانت تتحسس عذوبته كذلك

لانه كان يضخ فيها كل مشاعر الحميمية

التي لها ان تقوى بها على مقارعة أزماتها كافة

فلولا هذا الزخم من الدعم

والاجتماع حولها

لتميزت من الغيظ

ولاصبح حالها

كحال الخنساء حينما تقول

ولولا كثرة الباكين حولي لقتلت نفسي

هنا لولا كثرة البهجة والترقب والامال المنتظرة لبهجتها

لكان لها ان تقضي هالكة من فرط وجعها

لان الوحدة حين مغالبة المصاب

تكون صعبة للغاية

لذا ينصح

بان لا يترك صاحب المصاب لوحده

كي لا يختلي بنفسه

ويصغي اليها

فتستفرد به الاوجاع كافة

حتى تستحوذ عليه

كما يلتم الخصوم على احدنا دفعة واحدة

انه امر مأزوم حقا !

...................................................................................



تقول ماجدولين



سنوات البعد واللهفة أظنّها أطول بكثير من السنوات العادية التي نعيشها..



اجهار بحقيقة العيش الاكيد

انها تعيش لاجل الحب

لاجل حبيبها

لذا كان لها ان تعد السنة بسنوات

لانها ما عادت تحتمل ظلم الزمان

ولا عادت تطيق مطاطية السنين

لان هذه اصبحت تستطيل مكابرة دون انتهاء

لذا كان لها ان تناوئ البعد بزمن من اللهفة

انظروا هنا

تياران يعملان بنظم

البعد واللهفة

كلما ازداد البعد ازدادت اللهفة

وكلما قل البعد قلت اللهفة

ميزان طردي وليس معكوس

اقصد ان التناسب ما كان معكوسا

فما كان انتقاؤها لمثل هذه المصطلحات عبثيا

اما الظن

فانه استيحاء تغالب به الاعتراف بيقينها بالامر

لانها لا تريد البوح بالبعد ومفرداته

لا تتمكن من الاقرار بزمن الوجع

لانها ستفكر بالهرب والالم

وما صدرت عنها كلمة الظن

الا لان عليها ان تكابد

وان مرحلة البعد ربما ما بدأت الا الان

وانها لم تكن بدأت من قبل

او انها حصلت من ذي قبل

لكنها لم تتحسس وطأتها الا الان

كما لو فقدنا الامل بالنصر

لكننا نقول اظننا سننتصر ها اليس كذلك

دعونا نفرح لنصر لم يأتنا بعد

وفي الحقيقة

دعونا نفرح لنصر لا يأتينا ابدا

......................................................................



تقول ماجدولين



لا شهور لديها.. إنما تقاس بمدى الشوق الذي يعترينا.



الشوق حصيلتها

عادت تجتره

وتستثمر آلته

كي تصيب عبرها احصائيات كل تثنياتها الموجعة

فلا شهور يمكن ان تشتمل عليها تلك السنين العجافا

لانها لا يمكن الاحساس بها عبر الايام العادية

والا كان لها ان تحتوي على الشهر واخر يليه وهكذا

لكنها لا تتوقف عندها

لانها تريد القفز من فوقها

فكلما ازداد الشوق ازداد الهذيان

لم تخبر عن الهذيان

لكنها قالت يعترينا

والشوق ان اعترى المرء

فانه لا يمكن ان يكظم انفته

فسوف يبين واضحا

في متسعات من القلق والاثارة في البكاء

ربما في الاجهاش به

والتوسل الى اقرب المقربين كي يستنزف شيئا منه

نفس الشوق

سيثير فيها الاحساس المقلق

نفس الشوق

سوف يسبب لها الحرج والازعاج

لانه سوف يدعها تنزف

ونزيفها كان له ان يطول

وهي لا تحتمل رؤية شوقها تستنزفه غارات الحب

لان عليها ان تدخر منه الكثير

للايام الاتية

انها متاكدة انه سيطول غيابه

اقصد حبيبها

لانها عرجت وبوضوح قاتل

الى تفسير السنين

وكيفية قياسها

كما لو كان احدهم مصابا

وفي غمرة اصابته الخطيرة

يسائل احدا بقربه

ان موسم تلاقح الطيور سيأتي عما قريب

هذا الامر مدهش حقا

هذا هو الهذيان الذي حدثتكم عنه

انها تحدث عن رعشة الحب

لانه لم يأت بعد

والا كانت انشغلت بنفس الحبيب

لماذا تشتغل بالحكي معه

لماذا لا تلتهمه بحضنها

وترعش بين ذراعيه

لماذا تستنزف وقتنا بصخب تحاليلها

اتعلمون السبب

لانها كانت تقف في مفترق طرق

وهذا ما سيحكيه النص اللاحق

اذ انها كانت وما تزال

تعيش صوتها النازف

قبل رعشاتها التي كان لها ان تحكي صمت الحبيب

وحدها تغني له

وهو صامت

لانه نزفها الذي رعشت به

مخاضها الذي مخضت به

ما كان الا حبيبها

دمه ما كان الا دمها

وصوتها في الحقيقة ما كان الا صوته

تردد الكلام

كي تستمع الى حديثه اكثر

ربما كان ذات يوم حدثها بمثل هذا الوعي من الكلام

فعادت تستطرب بتكريره

ونحن ما كنا نشعر الا وانها تطربنا بتغاريدها

والحقيقة تقول انها تستذكر وعيا

كان استتر عنا نحن وحسب

انما هي

لا !

لانها كانت تشعر بنفس الحبيب

يقعد حيالها

تحدثه ويحدثها

فما كان لنا ان نسمع لسواها

اما الحبيب

كانت رقابة الموت قد حذفته من النشر

بل انها فرظت حظر التداول به

واقامت سدا يعرش بينه وبيننا

لذا

ما كان لها الا ان تحدث وبالنيابة عنه

لانها كانت تمثل وعيه الداخلي

والممتد عبرها في اللا وعي لديها

هي ما زالت تخاف عليه من اعين الموت

لانها ترقبها

باعتبار انها تمت له بصلة

فربما اختلس الفرصة وغامر بلقائها

انظروا

الى حدسها في وحشية الموت

انه يراقبها

ويتلصص عليها ويتجسس

كعيون السلطة

تختبئ له .. اي لحبيبها

كي تنصب له فخا

وهي تنتوي الامساك به

متلبسا بجرم اللقاء بها

حتى بعد موته

محظور عليه لقاؤها

لذا كانت تحدث عن نفسها

وعنه

كانت تدمج حديثه بحديثها

كي لا يتميزه عميل الموت الثابت الجأش

ويستل منها روعة ماضيها

وحب كان وأدته في داخلها

بقية للحبيب

والا كان للموت ان يسترق منها

حتى ذكريات الحبيب

وكل اوراقه

فلربما عثر فيها بعد ان يكون فحصها جيدا

وبسرعة

اكبر من سنيها الممطوطة

وبالتالي سيكون يعثر على ادلة اخرى

تؤكد ضرورة احالة حبيبها الى الموت

لان الموت

كان يراها

بانها تحاول استعادة حبيبها من براثنه

وهو الاخر

كان قد بدأ حملته الشرسة ضدها

كي يحيل بينها وبين ان تجمع الوثائق كافة

تلك الادلة والمستندات التي تثبت براءة حبيبها من حكم الموت

والتحاقه بعالم اخر وبهذه السرعة

مع ان سني الشوق لها ان تطول

فكيف يمكن ان تعبر احداث الجفاء وبمثل هذه السرعة

.......................................................................



تقول ماجدولين



لازالت أصواتهم تئن في أذنيّ:

حبيبك قد مات!



هنا تكمن قارعة الاعراف

وانها لتمزج بالحديث كافة

حديثها عن الحبيب

بحديثهم عنه

تستهدف الحقيقة عبر النكاية بها

من خلال استنكارها لجهلهم بحقيقة مشاعرها

تلك المشاعر التي تخبئ في داخلها صورة الحبيب

تلك المشاعر التي لم تمت بعد

طالما كانت تخبئ صورة في داخلها له

لذلك الحبيب نفسه

الذي اصبحوا يخبرونها عنه

حبيبك قد مات

لانها كانت تعيش بين الواقع والخيال

بين الحلم والحقيقة

بين عالم المنام وعالم اليقظة

بين عالم الغيب وعالم الشهود

امر تحتم عليها ان تعيشه

بفضل هذيان الحب لديها

ورعشات امسها التي كمنت في داخلها

كان لها ان تتغذى على عوامله

كي تبقى غائبة عن الوعي

للدخول في حالة من اللا وعي التغييبي

لانها كانت تعيش وعيا اجمل في داخله

لذا هي افترضت الابقاء عليه

وهذا ما سنرى قرائنه فيما بعد



.................................................................................



انتهت الحلقة الخامسة

وتليها الحلقة السادسة انشاء الله

من شرح عوالم ماجدولين الرفاعي

عبر التفحص في قصتها

تبا لك ايها الموت !



...........



مودتي

جمال السائح

Almawed2003@yahoo.com

www.postpoems.com/members/jamalalsaieh

2006-01-30

View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: