دراسة نقدية في قصة ضفيرتي والايديولوجيا لهيفاء يوسف

دراسة نقدية في قصة ضفيرتي والايديولوجيا للكاتبة السورية المبدعة هيفاء يوسف عجيب



دراسة نقدية

في قصة ضفيرتي والايديولوجيا

للكاتبة السورية المبدعة هيفاء يوسف عجيب





القصة تجدونها على هذا الرابط :



http://www.syrianstory.com/h.youssefe.htm



بقلم جمال السائح



لم يكن اختياري للحديث عن الكاتبة السورية هيفاء يوسف عجيب اختيارا من قبيل الصدفة او العبثية  ..

انما كان هناك سببا وجيها يدفعني لتسجيل هذه القراءة الناقدة ..

هيفاء ..

لم تكن كاتبة رغما عنها

ربما يفتعل البعض مثل هذا العرض

لانها ذكرت في بعض من ترجمة حياتها ما يمكن ان نستشف ومن خلاله ان اهتدائها الى الحكاية والسرد ما كان يقع الا في ضمن تطلعاتها الخالصة من اجل التحرك في محيط اكثر مطاطية واكبر نطاقا .. سيما حينما نجدها تعود بذاكرتها بسنوات الى الوراء لتجتر عمق اسباب مثل هذا التوغل في عالم الادب ناهيك عن الدوافع الاصلية والبواعث الدفينة التي تكمن في عمق الماضي بشكل لا يمكن التغاضي عنه .. والتي حددت بصورة واخرى المجرى العام لتحركات وتطلعات فتاة في مقتبل العمر .. تتحسس الطريق كي تتلمس فيه كل ما يعينها على الاخذ بأسباب الرقي والتواصل في غرض خاص يشكل البؤرة لتحرك علمي يقف منها موقف يستدعيها كي تخوض غماره وهو فن القصة لتتحول بالتالي الى صورة ابداعية تجسد حقيقة الترابط ما بين الكائن المبدع وضرورة التزامن الفعلي مع كل مفردات التمدن وتقنيات المجتمع من حولها في حقيقة سنخية تتشاكل وتتجانس في مختلف الضروب والاجناس ..

حيث قالت :



هناك ولدت وبدأت التعرف على المحيط الذي كان له أكبر دور في اندفاعي نحو الكتاب والكتابة ,  فبالنسبة لفتاة تعيش في حي شبه معزول عن عالم المدينة , وعن أسباب الرفاهية والتسلية ،  سيكون الكتاب هو الصديق الوحيد القادر على خلق علاقة من نوع ما مع العالم الخارجي



حدث كل هذا لها وبشكل عفوي مطرد في بداية الامر

ليتطور بعدئذ الى حالة من الوعي بضرورة الالتصاق بنقاط التماس مع حدود تلك اللغة التي تسيطر على اجواء النص الذي كان له ان يستأخذ ذهنية تلك الفتاة الموهوبة بكل ما تمتلك ..

لانها جنّدت كل اوراقها كي تتأهل لاقتناص فرصها الحياتية

لانها عاشت حياة بسيطة كان بوسعها ان تتركها قعيدة البيت تنتظر حركة الحظ التي تنوء بها مشاهد العرف وبِدَع التقاليد متى تطرق بابها .. او كان من الممكن ان تكمل تعليمها وتنشغل في احدى الوظائف الادارية او في السلك التعليمي من دون ان تتلمس بوضوح ماذا يمكن ان تفتعل وبالضرورة حركة التطلع لديها وبالقوة والتي كان لها ان تتطور في الملمح الاخر وهو المشهد الواقعي والاسطوري الذي نسجته نفس السيدة هيفاء حينما دفعت بتجلياتها العاملة في ذاتها وبالقوة لأن تكون صورة معبرة عن الحقيقة التي سألت المولى سبحانه ان تكونها وذلك بشكل فطري ينساب مع تشوفاتها التي قرأت المسافات ورسمت الطريق عبر انجاز التصور وترحيل آياته صوب حالة من التصديق لتتمكن بالتالي ومن خلال تفعيل مجمل آليات العمل لديها كي تبلغ الذروة حين انتهجت نهجا دفعها وبصرامة تحدوها ارادة واعية الى ان تخرج بقدراتها وطاقاتها من كونها امكانات وبالقوة الى قدرات وطاقات من حيث انها اصبحت كذلك وبالفعل !

فنراها تنتقل الى الكلام بشكل اخر حينما تقول :



أنهيت دراسة الأعلام في جامعة دمشق , وأثناء سعيي للخوض في القضايا العديدة التي تتطلب الجهد والجرأة ,  وجدت أن قلم (الصحفي ) يحتاج يداً أكثر قوة وخبرة من يدي  وخصوصاً إذا كان هدفك تقديم طرح جديد لما تفرزه الحياة المعاصرة من مشاكل وهموم يومية .



هيفاء . . فتاة اتخذت من وعيها مكنة روحية استطاعت ومن خلال سياسة تدميجه بسلسلة الانوال التي تتواتر في مناوباتها داخل تلك المفاعلات التي تحتوي تلك الانسجة ان تلقي بضوئها الثاقب على منطلقات حياتية .. هذا في نفس الوقت الذي جعلت معه تستقطب اضواء .. ومن دون منحى قسري أو استدعاء متملق بل كانت العملية تنام في الجذب غير المسلط على آحادية التحرك .. لانه كان تلقائيا من حيث ان القدرة الجاذبة في وجود هذه الشابة كان اكبر من ان تقوم هي بالدعاية لايديولوجية النص لديها بل كان الظرف يستدعي بالدلالات الاجتماعية من حولها ان تتحرك هي ومن تلقاء نفسها صوب آلية كانت اعتمدتها هيفاء في مسيرتها الشابة حتى كان لها ان تجد الترحيب الصادق من نفس الكاتبة لتدعوها بعدها الى الدخول والجلوس لتكون الاخيرة رهن القدرة الكامنة في نفسية القاصة ..

حيث تستدرك كلامها :



ومن ثم وضعته جانباً وحملت قلماً آخر أكثر مرونة وقدرة على المراوغة، فكانت القصة القصيرة وسيلتي للتعبير عما لا يقدر عليه الخبر أو التحقيق، مع اعترافي بفضل الصحافة في تزويدي بالمادة الخام لكثير من القصص.



لا اريد ان اسهب من حيث اخرج عن الموضوع

او اشذ عن التواصل مع الغرض الحقيقي من هذه الكتابة

لاني وجدت امر تعقب نص لمثل هذه الكاتبة شيئا ضروريا

يستدعي كل هذه المقدمة

كي يمكنني بعدها ان اتحرك في ضمن التعبير عن هوية الكاتبة نفسها

لان نصها ربما يوحي بهويتها

بعض التعدديات المرتسمة فيه توحي بصورة من صور الوعي غير المتداخل بل المتجانس بشكل غير مضطرب

في قصتها  ضفيرتي والايديولوجيا ..

ثمة صراع يمدنا بنقاط مبهمة تتوزع جوانب النص وبشكل يحتاج الى نوع من التفكيك لتصور ماهية تلك الدلالات التي عملت الكاتبة على استنباطها بفعل تمكنها اللغوي ومن ثم توظيفها التوظيف المباغت بشكل لا تدع معه للقارئ اي فرصة كي يهتم بضرورة تفهم بطلة القصة .. او التفرس في لون اخر يمكن ان يقتاد المتطلع في شيء من نوابض النص الى التعرف رويدا رويدا الى الثنائي الاخر والمتبقي في عمق المتن السردي وهما خالد وحسام

اما حسام فهو يقحم في النص اقحاما مناسبا غير ان اسمه في خلاله لا يتأتى الا مفزعا لانه هبط هبوطا غير تلقائي فوق ذهن القارئ

اما خالد فلقد اوجزت الكاتبة وعبر لسان بطلتها صفاته بشكل لم يترك للقارئ اي مناص من التنازل عن ملاحقته او محاولة البحث عن اي جدوى في مساعدته كي يحدث تناص حياتي معين بينه وبين البطلة ..

لقد تركت الكاتبة قارئها يسلّم ببدهية التلقائية في الحدث

فتاة متطلعة وفتى شاب

تختلف بينهما المقادير بينما لم تحل بينهما بشكل كامل

تقتادنا الكاتبة ومنذ اللحظة الاولى في القصة الى الحس بان ثمة مفارقات ايديولوجية بين شخصيتين متناوئتين من حيث المبدأ او الجنسية .. حينما ترصد لنا سعة من الكلام وهي تبلغنا برصيف الميناء الذي تتخذ القصة منه اول مرسى لها :



دائما" كنت أعتقد أن شمشون هو الوحيد الذي ارتبط مصيره بشعره حيث لم يستطع اعداءه القضاء عليه إلا بقص هذا الشعر عبر مكيدة دبرتها امرأة  , أما شعري فما



اعتقد انها بداية رائعة .. بداية ربما استثمرت ما يشابهها تلك النصوص العالمية التي حازت على اعتى جوائز الروعة في النص

هنا حقا ابدعت الكاتبة في ان تصور لنا عمق الحد الفاصل والقائم ما بين شخصياتها ومن دون ان نفهم بعد من تكون شخصياتها وما هي حكاياتهم ..

هنا اخترقت معنا كل حدودنا النفسية لتصور لنا عمق الاستيهام الذي يمكن ان نتصوره مع كثير من الحذلقة النصية التي لها ان تعتري ذهن المتلقي حين يستجيب لكل مكونات النص المقروء ..

بل انها كانت تمهد لنا كي تضخ فينا قدرات واعية تتلمس فهما شاخصا لكل دلالات الترميز التي استهدفتها عبر التخطيط لملاءمة الانشطة اللغوية الكامنة في نفس المتلقي من خلال التلميح الضمني والدلالي لما يمكن ان تتوقعه الهيمنة الذكائية لدينا كي نتفرس بوحي المتطلع الى مكونات السحابة التي تركتها تغشى النص ومنذ البداية

قدمت لنا هيفاء استعراضا غنيا بالقدرات الافرازية لتمكّن القارئ وبالتالي من حيث يرغب ولا يرغب في الوقوف امام شخصياتها بشكل تدعه يعي ابعادها من ناحية وبشكل لا تسمح له ان يتكهن بطبيعة الغالب او المغلوب من ناحية اخرى ..

وهنا تكمن قدرتها الذوقية في مرحلة التشكيك التي تزرعها فينا بعد ان نكون قد استوحينا ضعفا مناسبا يمكن ان يؤرجح العلاقة ما بين تلك التفعيلات التي لها ان تتصاعد بشكل منوالي ما بين الشخصيات نفسها ..

انها سعت وبصورة عرضية ذكية الى زرع حس مخاصم كي نقوم نحن وبانفسنا بمهام الوقوف الى جانب البطلة من حيث نجد انفسنا وفي النهاية نقف لا نلوي على شيء سوى ان نستفهم النص ثانية وثالثة كي نتوخى فيه معالجة ما استعصى علينا فهمه فيه .. سيما وان اشتمل على طرح مبسط لكنه مفعّل بغايات صاخبة ومنعطفات لا تني تجاهد كي تحرف وجهة نظر المتلقي بين الفينة والاخرى صوب دعاية اخرى ونفس اخر يوحي كلما انتدبته الكاتبة بالقارئ الى الوقوف ثانية على النص وقفة متأملة بحيث يجد نفسه يجاهد معه ويغالب تقنياته التي تكون قد القته في مناخات يصعب معها التكهن بما سيكون الرد العكسي لطبيعة القارئ كي  تستنزف فيه حصيلة الفهم والاستيعاب وبشكل تدعه معه في ظل من البحث الدؤوب عن ستراتيجية يتوخى ومن خلالها الكشف عن مساقط الوعي واللا وعي في القصة وهو ما يجدّ القارئ كي يستنأي تحصيله او الوقوف عليه لكنها وبطبيعة ابداعها وانطلاقا من سياستها في الكتابة استطاعت ان تبتدع من نفس القارئ شخصا طموحا بعد ان عبأته وزرعت فيه نفسا متطلعا ينساب مع فضولية شاملة لكي يتقصى ابعاد الشخصيات وبنفسه ..

هذا ومن دون ان يشعر برميم الملل يحيط بكلتا كفتيه القارئتين لنسيج الحدث قبل ان تقرأ عيناه نسيج الحكاية وبرمتها ، لانها كانت اوعزت الى حسه الباطني بضرورة استفحال حالة التركيب المتداعي ما بين النص والمتلقي  .

ومن ثم نجد ان الصدام الحاصل ما بين البطلة وخالد كانت تعبؤه الكاتبة بشكل مسهب شيئا ما .. ربما تناسب كبعد تقريري اكثر منه في التناسب الترميزي الذي حاولت ان تصب ثقله الواعي في صيرورة النص عند وثوقها بمجمل التوقف عند مكامنه التي تنبع من سمات الشخصيات .. باعتبارها تمثل الحدود الفارقة بين التوجهات والتي لها ان تكسب نفس تلك الروحيات مثارات تعينها على الفصام والتحرك بصورة معاكسة .. لكنها سعت قيد الامكان ان تترك البطلة تسهم في الاحتفاظ بخالد مع كل الصفات التي كان يحتملها ...

لكنها لم تعترض سبيل الشابة في القصة ولم تعترض سبيل الشاب خالد ..

تركتهما يتحركان بملء ارادتهما الخاصة

كان كل منه يتحرك وفق مذاقه الشخصي

هي متحررة متطلعة

وهو متشدد محافظ بالرغم من عدم وضوح صرامته بشكل بات



كنت قد تعرفت  على خالد وأحببته لصلابة أخلاقه واستقامته , علاقتي به أمدتني بالقوة اللازمة لفتاة خجول في بداية حياتها إذ تعلمت منه الكثير فصرت أكثر معرفة بالناس والعادات ضمن مجتمع المدينة الذي دخلته , وبدأت أجيد التحكم بانفعالاتي وضبط ألفاظي لكيلا أجرح من حولي  وأثير الحساسيات , واهتماماته الدينية بدت لي فرصة جيدة لأتعرف على ثقافة مجهولة نوعا" ما بالنسبة لي , احترمت قناعاته



هنا تتحرك الكاتبة بقناعة محايدة لكنها كانت تحاول تمزيق الهوة بين البطلة والبطل ما استطاعت الى ذلك سبيلا عبر التوفيق بينها وبين من احبت وحاولت بوضوح ان تعرب عن شخصية البطلة انها وعت حدود مقدرتها في نفس الوقت الذي وعت نطاق الحيز الذي تتحرك فيه وشخصية من احبت وتركتها تعبر عن تضحياتها بشكل مسترسل كي تنوه الى طبيعة البطلة وانها قد استهلكت كل قواها واستنزفت كل امكانياتها كي تمسك برباط يضمها الى حبيبها وصولا الى عرضها لكل محاولاتها الجادة في العمل على عدم الاستبقاء على اي شيء يمكنها ومن خلاله ان توظفه لشحن هذه العلاقة ولضخ كل ما يبعث فيها الحياة دوما وابدا وحتى النهاية ..

هنا تحركت وعلى لسان الشابة تحركا رصينا عبرت ومن خلاله عن تكاتف البطلة مع واقع ربما لا تمت له بصلة او ربما لا تتعامل معه عن قناعة راسخة وان عبرت في بعض النص عن شيء من هذا :



احترمت قناعاته



الا انها وبالتالي أبقت القارئ على فاصلة معينة مع البطلة كي لا تدعه يستفهمها عن شعورها .. أكان فيه نقيض ام انها كانت تعيش حالة فصام حاد او بسيط .. تناءت بنا كل النأي عن التفكير بمثل هذه المقاذفات .. لانها كانت تصور احساسات شابة تعرض بكل ثقلها الايديولوجي ومبادئها الحياتية في سبيل الحفاظ على شريك حياتها المقبل وفتاها الذي غمرت يومياتها بملتقياته ومن دون الاخذ لنفسها باشياء معينة سوى شعرها

شعرها الذي اثارت ايديولوجيته في البدء حين نسبت اصل القضية اليه لتعلن لنا فيما بعد انه ما كان الا راس خيط لتجرنا معه الى عمق حالة الاختلاف والتعارض ما بين الافكار المتحركة وبالفعل لدى البطلين ..



أما شعري فما عرفت أنه بهذه الخطورة  لو لم يتحول الى مشكلة ايديولوجية بيني وبين من أحببت . غريب أن يجدل الشعر والايديولوجيا والحب ضمن ضفيرة واحدة !



الا انها ظلت تعبر عن حقيقة شخصيتها في نفس القصة من خلال تراجيدية يشعر بها القارئ حينما يتعين عليه ان يتضامن مع بطلة القصة :



فصرت أكثر معرفة بالناس والعادات ضمن مجتمع المدينة الذي دخلته



ونحن نعرف ان المؤلفة تعبر عن نفسها في ترجمتها بالقول :



أسرتي واحدة من الأسر الكثيرة التي هجرت الريف باحثة عن مكان لها في أطراف العاصمة ,



لكن هذا لا يفي بشرط تطابق الموضوع مع الوجه الخارجي المتداخل في صنعة الحدث بزمانيته ومكانيته .. لكن البعد الذي له ان يعبر عن توافق في النوعية المتناغمة مع الامر ان الكاتبة ربما كانت اقحمت فرصة التعبير التي تمتلكها لتسجل حنينها الى التنويه بمنحاها الفكري وغرضها الاجتماعي من خلال كشفها عن مدلولها المجتمعي وايمانها بالاشياء من حولها وبالتجديد والحداثة .

لكن الكاتبة فعلا تفوقت على نفسها حين عرضت لامرأة ريفية كيف انها تجيد التواصل مع لغة الحداثة اليومية وتفقه مفردات موسوعة التحديث في اساليب العيش والتعبير عن وجهة نظرها بحرية فائقة النظير ..

بينما ان ابن المدينة الذي تشي ملامحه بالتحضر والتفنن بالاخذ باخر تقليعات الزمان وتحديثات العصر .. حتى تسعى البطلة لتهيء نفسها لارضائه بكل معاني التسامح والايثار والتفاني من بعد ان اقنعت نفسها بالتحكم بانفعالاتها وضبط الفاظها ...



وبدأت أجيد التحكم بانفعالاتي وضبط ألفاظي لكيلا أجرح من حولي  وأثير الحساسيات



حتى اهتماماته الدينية كان لها ان ترعاها :



واهتماماته الدينية بدت لي فرصة جيدة لأتعرف على ثقافة مجهولة نوعا" ما بالنسبة لي ,



لكننا لا نجد في البطل وازاء كل هذه المحاولات الطيبة سوى الانكسار والتعنت والصدام



بينما لزم الصمت تجاه قناعاتي على أمل أن يتمكن من تغييري في المستقبل



فضلا عن سقوطه في وهدة بأس الانهزامية نحو الداخل المتعاكس مع الخارج المنفتح بكل موجوداته المتسايرة مع ركب المناخات المتحركة في اطار من النسق المنهجي والبرمجة الحداثية في صور التنويع الحياتي عبر نسيج التعامل اليومي وتلاقح الافكار وتعارض التصورات .. التي لها ان تتدفق من الحجم الصغير الى الحجم الكبير والتي تكون بمثابة التعليل الحقيقي لإبداء التصور الباطني للبطل عن اشيائه التي يعترض بها او عن الخلجات التي لها ان تطوق حبيبته او لنقل غريمته في الثقافة والفكر والتوجه ..

هكذا انقلبت العلاقة بينهما واصبح التذرع بابسط المسائل ذريعة للوصول الى حسم مسائل وقضايا اكبر :



تبين لي بعد ذلك أن شعري كان بمثابة الجمرة التي أججت الحريق , فعقب تلك المناقشة صار متحفزا" لنقد كثير من عاداتي التي سكت عنها سابقا" , وبدأ بتقييم أصدقائي ومعارفي حسب مقاييسه الخاصة والقائمة على فرز الناس الى فئتين : صالح وطالح !



بينما لا تبدي البطلة اي ردود فعل ايجابية تجاه مطالب حبيبها البطل بل ترى الى نفسها انها حرة وتبقى كذلك وببرود يثير الاعجاب بانثى القصة :



وبقدر إصراره على الانتقائية الشديدة لدى اختيار الأصدقاء كنت على عكسه تلقائية للغاية حتى أن كثير من أصدقائي المقربين  تعرفت عليهم مصادفة إما في طريق سفر أو في غرفة الانتظار بعيادة طبيب الأسنان , دون أن اهتم بلحية أحدهم سواء أرسلها أم حلقها , ولا بشعر احداهن ظاهرا" كان أم مخفيا" تحت غطاء...



هنا تؤكد الكاتبة ان الحدث يستمر في عناد شخصياته دون ان يسفر عن عواقب وخيمة او دون ان تهدد مثل هذه التداعيات والحدوثات ارضية هذه العلاقة بل ان الروابط ما بين البطلة والبطل قائمة بحد ذاتها كما لو انها لم تتأثر او تتخلخل ولا لأجل واحدة من هذه الازمات والعراقيل التي تعبر عنها الكاتبة بانها اصبحت ديدن مشاع كان له ان يسري في حركة الشخصيات بدليل ان الكثير من هذه المشكلات كان له ان يحصل دون ان تعصف بسبيل علاقتهما مع بعض حتى كان للبطل ان يستغل مسألة الشعر المفلول وتذرعه بضرورة ربطه :



وبعد أن تجاوزنا الكثير من المنعطفات الخطيرة في طريق حبنا جاءت مشكلة شعري لتهدم كل شيء , عندما طلب مني أن أربط شعري لأن منظر تهدله على كتفي وملامسته لخصري  يثير مشاعر الرجال , ظننته يمزح فلم أهتم بكلامه وبقيت أتعامل مع شعري حسب مزاجي وحسب حالة الطقس .



اذن فمشكلة الشعر لم تتأتى في البدء .. فأين كان البطل غائبا عنها وهو المتشدد في تدينه او لنقل المتطرف في علاقته المبدئية بدينه ..

ومن ثم هل لي ان اتحدث عن هذا الحب وهذه العلاقة التي حدثت بين شطرين من الحياة يكاد كل منهما ان يتحدى الاخر

كيف لهذا المتدين ان يقيم علاقة حب مع فتاة وهو لا بد انه يمتلك تزمتا غريبا يقنعه بضرورة وضع حل لمثل هذه العلاقة او حتى ووفق قناعاته الدينية المتشددة ان لمثل هذه الرابطة ما كان لها ان تقوم تحت اي شرط من الشروط خاصة لو اقام تفسير الظاهر المتشدد للاية القرانية (ولا تواعدونهن سرّاً) وهو التفسير المتطرف اكثر الاحيان بحيث يعري السرّ ويفضح الشرط المتداول داخل النزعات القرانية حين يطبق بعض المفسرون شروطهم وليس شروط السماء على الاخذ بظاهر التأويل والاعتماد على استنباط المبدأ الشرّي في الحيز الالقائي .. بينما ان الامر لا يتعدى الشرط والشروط .. فان امنت الفتاة من صاحبها ما كان من ضير لانها قضايا ترتبط بالقناعة الشخصية والحرية المبدئية وهي من المسائل التي آمنت بها السماء وسلمت بها الشرائع .. لكن اثر الاله ان يتحفظ الانسان اكثر في علاقاته ولا يقع مغبة نوايا الشر التي يمكن ان يستبطنها الاخرون لمثلها اثراء على حساب نوايا اخريات .. وهذا الكل يدعو اليه باعتباره سبيل الفطرة ولسان الانسان الواعي ..

لكن ان يمارس الانسان حرياته بوعي ومنهجية لا يمكن ان يضيره بشيء حتى لو تعدى الامر الى ممارسة الحب والرياضة الجسدية .. لان كل شيء بشرطه وشروطه طالما استلزم المرء نفسه بالاذعان الى الاله واستئذانه .

اعود الى الحديث .. فمشكلة الشعر كانت المتنفس الذي احس به البطل انه بوسعه استنفاد كل اوراقه كي يستهلكه في صب لائمته على حبيبته وما كان الامر الا استلابا لوعيه الخاص وثقافته المتشددة

هنا اقف مع الكاتبة ..

هنا اقف وقفة اجلال امامها

لانها عبرت ببساطة وعمق عن سقوط الفكر المتشدد والتطرف الديني شاء ام ابى .. حين يسقط هو وبنفسه تباعا .. وحين يعلن عن انهياره وبنفسه ! ومن دون الحاجة الى تورطه بالنسيان او البهرجة .. كي لا تلتقط الانظار خبر سقوطه وانباء تداعيه ..

بينما ما كان ليحصل مثل هذا الامر الا بسبب من نسيج المداراة والصرامة الذي كانت الكاتبة قد مرّرته على لسان واقع حال البطلة من حيث تصرفاتها المدهشة وثباتها على وعيها وعدم انقيادها الى امر حبيبها وانها كانت تفعل ما تشاء ..

انها اقنعته بضرورة الحب وبضرورة التخلي عن اوهامه

ولهذا استمرت العلاقة



صحيح أن مشوارنا كان يتعرض للقطع أكثر من مرة عندما يحل موعد صلاته مما جعلني خبيرة بموقع كل مسجد في دمشق , وصحيح أن تقطيبة ترتسم على جبينه إزاء عبثي ومزاحي, ولكن رغم هذا ساد سلام نسبي بيننا ساهمت العاطفة الصادقة في ارسائه .



انظر الى السلام النسبي .. لانه علامة التسليم والخضوع الى الحب

اثبتت الكاتبة بوعيها المتدفق ان الحب يبعث السلام حتى ولو كان نسبيا بشكل يمثل منعطفا اساسيا له ان يتقادم ويحتل مكانته الرفيعة في مستقبل مثل تلك العلاقات ..

ان حب هذه الفتاة جعل الشاب المتطرف في دينه يتخلى عن كثير من القناعات التي كان الزم نفسه بها من خلال اعتداده بوعيه المتشدد وفهمه غير الخصب للشرع عبر القراءات الضيقة لمباني الدين ..

حتى اندفع اكثر من هذا لكي يقيم هذه العلاقة ويستمر بها ويواصل طلعاته مع حبيبته لوحدهما بينما كل النوازع المتشددة ترفض مثل هذا ..

هنا كانت عملية الانسلاخ قد بدأت فصولها من دون علم نفس البطل بانه ينهي ايام تشدده وان الحانه قد شرعت تتقوض تلقائيا حتى لو كان ثمة ردود فعل بسيطة تشي بحاله النفسي المتصادم :



وصحيح أن تقطيبة ترتسم على جبينه إزاء عبثي ومزاحي



والذي يدلل على حدوث حرب عصيبة في داخلها

لم تخبرنا عنها الكاتبة ولم تعلن شيئا عنها وكان حريا بها ان تسلط شيئا من الضوء عليها كي نلتمس شعاعا يمكن ان يضيء زاوية اخرى ليتسع مدى التحرك الوقائي في الحكاية وصولا الى اختلاق النقائض في السلوك والتعبير .. خاصة وان هذا التعبير (عبثي ومزاحي) يدلل وبغاية انها مستمرة في اغاضته .. تلك الاغاضة الفكهة والتي ما كان لها ان تتواصل بها الا حين ترى تساهلا من قبل الطرف الاخر ..

ومن ثم ..

فان لكل هذا ان يحدث وفي مجال يعم كافة العروض المتداخلة للمدنية التي تسهم في ابداء الرأي وتنوع سياق العيش في وضع ينم عن احتكاكات ، الغرض منها اتاحة اكبر نطاق من الفرصة كي تعبر الموجات البشرية عن تطلعات مختلفة في ظل سياسة تحتم الاختلاف التنوعي في سبيل الوصول الى اجمل اسهاب في التعامل المشترك من دون الاخلال بموكب الحياة العام مع ان الافراد يختصمون بلسان الحال عبر اختلاف التراكبية في الانماط المعيشية وإنماء سبل استعراض فنون السياحة السكانية عبر تنوع اخلاط الناس وطبقات افكارهم ونكهات مشاربهم الانسيابية كل منهم في طبيعته التي يحب الاسترسال فيها والتفاعل مع مختلف المؤثرات من حوله والتأثر والتأثير من دون افتراض قوة عظمى تمارس الارغام والقسرية بطريق مباشر وغير مباشر .. كل هذا عبر نبذ التعصب والتشرذم .. كليهما في آن واحد .

غير ان القارئ يواجه صداما اخر

بل نقطة افتراق

هنا تفرض الكاتبة سلطة البطلة

فبدلا من ان ينهي البطل كل التزاماته بشأن هذه العلاقة ويعلّقها على لوح المتوارد مما يمكن ان تطرف به عين الزمان مما له ان يحصل او لا يحصل من التجاوب .. نرى البطلة تقرر ترك البطل في نقطة متفارقة رهيبة تثير في القارئ الشك في منتدى الحكاية التي اقتادته الى مثل هذه الوقيعة غير المترقبة ..

كيف يمكن ان تتخلى البطلة عن البطل

ولو كان لها ان تلتقي بصديق قديم هو حسام الذي طل علينا اسمه من دون ان تمهد القاصة لنا شيئا عما يثبت انه حسام حتى يتملك القارئ شيئا من العصيان فيعود ليتأكد من اسم الشاب الاول ليتأكد ان حسام ما كان الا الشخص الثاني .. لان اسم وقع على الرأس بشكل جعلنا نشكك بتقديرات الوضع وهل انها عادت فجأة لتلتقي بشابها الاول ام انه فعلا هذا ما كان الا الثاني

فالاول تركها لاجل الصلاة

فكيف كان له ان يقيم علاقة بنظره محرمة

ومن ثم حين تأتي الصلاة يتخلى عنها

اذن هنا مرة اخرى

تبدع الكاتبة اشد الابداع

انها تعرّي حقيقة هي شديدة للغاية

وهي ان التظاهر بالدين اصبح ولعا يثير حفيظ الحضارة اليومية التي لها ان تتعامل مع كثير من اشكال هذا التظاهر المتنافق

هنا تجسد الكاتبة لوعة الصراع الذي يمر به البطل

لكن بدلا من استثمار البطلة لمثل هذا الصراع وتحاول ان تستغله لمعالجة صاحبها فانها تلقي بنفسها في حضن اخر وتسدل الستار على علاقتها بشابها الاول كما لو كانت تختتم اعمالها معها نهائيا وبالكامل والى الابد !

وهي التي نراها لا تهتم بافكار الاخرين الى الحد الذي يدعها تعرض عن ممارسة حريتها بالكامل نراها انها تفضح نفسها حينما تترك نفسها تنحدر الى التأقلم مع افكار الثاني وانها تضعها في موضع خطير حينما ودعت نفسها تعبر عن الترديد لاراء هذا الاخر حتى انقلبت صدىً لكل نزعاته السياسية والنضالية والوطنية وما الى ذلك

هنا السؤال يطرق نفسه

لماذا لم تتحمس كل هذا التحمس الذي انطلقت به مع الثاني .. لماذا لم تنتهجه مع الاول ..

وكيف لها ان تتخلى عن الاول وهي لم تتواصل معه الا لحبها له وحبه لها هو الاخر والذي ما كان سببا لاصراره على منازعة افكاره الا عشقه لها وهذا ما تعرب عنه مشاهد القصة ودلالاتها اللغوية .. بل كل مناخاتها !

انظروا الى المفارقة التي اوقعتنا فيها البطلة

لم توقعنا بها الكاتبة لانها تعرف ماذا تفعل وتعلم كيف كان لها ان تحرك البطلة التي ارادت التمرد على صراعاتها حتى تركت نفسها تستجيب عن غير قناعة للثاني بعد ان فكرت بثورة عاصفة تكتسح مبنى الاول وتنبئه بضرورة ان يقوم بثورة هو الاخر على نفسه ويتخلص من قيوده كما تخلصت هي من قيودها والتي عبرت عنها به وربما لوضع مؤقت .. كما لو كانت تهدد فيه البركان الذي اراد ان يثور عليها يوما ما او ربما كان له ان يثور في اي وقت وكانت تترقب حدوثه ومن قبل ان يتعشى بها كانت قد تغدت به لانه كان قد اعلن وبصورة ضمنية انه ينوي الايقاع بها لكنه غاب عن باله انه يقيم علاقة مع ابنة الحضارة .. مع فتاة امتلكت ادوات العيش والزمت نفسها قناعات قوية للغاية بالرغم من انها ابنة ريف كان لها ان تنأى عن التفكير بمشاغبة لكنه فات عن باله ان مثل هذا الوعي الديني الضيق هو الذي يعمل بضيق نظرته الى التخلي عن جيله وعن الاجيال التي تعقبه باعتباره كان قد تناول تفسير حركة التأريخ ومسيرة المجتمعات التي سبقت مجتمعه تناولا خاطئا لكنه اصر على خطئه اكثر حينما ظل يعتمد ذلك الضيق في الوطأة التوعوية :



هو قرر أن التعايش مع خصلات شعري المشاغبة أصبح مستحيلا" ! وعلي أن أختار ... وضعني على مفترق الطريق ودخل الى الجامع الأموي ليصلي المغرب ,



هنا تفصح الكاتبة عن وعيها ببطلتها ولم تكن نقطة الافتراق هذه لتدعها تحصل الا في ظل مناخ صراع لم يكن خال من الاكسسوارات العظيمة والتي تمثلت في مسجد وسوق ..

هنا ملتقى الحضارة

الدين والدنيا

المسجد والسوق

انظروا الى عظمة الالقاء في النظرة ومن ثم الاسقاط في الضوء وصولا الى الاحباط في الفكرة

ولنرى كيف تعبر الكاتبة وفي الاخير عن سقوط كلتا الحضارتين الدينية والدنيوية طالما لم يكن الانسان يبارح خطيئته الاولية وهي العناد لاننا سنعاني من نفس القاسم المشترك الذي يربط ما بين الشاب الاول والثاني من حيث العناد الخاطئ وتشبث كل منهما بخطيئته الاعتقادية والتي يراها امرا مقدسا

فالاول فقد حبيبته وحبه خاصة بعد ان اطال في صلاته وكان من قبل وروده الى المسجد قد وجه اليها تحذيرا لنرى ان البطلة تبقى وفية له مع انه وجه اليها تنديدا ينذر بعواقب معينة لكنها اصرت على الالتزام بحبها له والتمسك بعلاقتها به الا انه اطال صلاته مما تركها تسترسل مع ماضيها حينما تركت الكاتبة شيئا من هذا الماضي يطلع عليها بصفة حسام

هنا كانت الخطوة تمتد الى عمق النقد الذاتي لشخصية البطلة

لان حسام كان يمثل جزءا من ماضيها

لكنها لم تقم علاقة مع حسام في الماضي

ولو فعلت لاشارت الكاتبة الى مثله

ولو كان حصل فان هذا يمثل ضعفا محسوبا عليها

لكنها ومن خلال الظاهر لم تفعل

حينها قررت البطلة ان تقيم علاقة ودية مع ماضيها

لتنشط في حدود نقدها الذاتي ودراستها الموضوعية لنفسيتها من خلال شخص حسام الذي يمثل رقعة الماضي في ذهنها كي تتنفس شيئا منه وتعيد وعيها الى نصابه تحت وطأة من الضغط الذي عاشته في علاقتها مع خالد

فحسام كان يمثل لها متنفسا

لكنها ستتبين انه ليس كذلك

انه نسخة طبق الاصل عن خالد

ولكن في الاتجاه المعاكس

فالمعسكر الغربي لم يرحمها وان لم يعلن عن سقوطه الا انه سقط لانه يلتقي مع المتدين ..

باعتبار ان سياسة التدليس ديدن كليهما فالغربي يتستر على فرض اطماعه بسياسات الديمقراطية والتنمية واشاعة الاقتصاد الحر والعولمة وما الى ذلك

كذلك المتدين يشيع في الاخرين انه على حق وانه على الصراط الاولى بينما ما كان لشي بكل هذا الا ظاهره الذي ينسلخ عنه بين الفينة والاخرى ليكشف عن ان الدين ما كان الا قناعا يستتر به ليخلص الى غاياته المشبعة بالدنيوية والمصلحية والمنفعية توسلا بشرع الاله ..

حتى لو كان عن قناعة بالاله لكن الها كان يصنعه وفقا لتطلعاته .. فهو غير الاله الحقيقي ..

لتصل بنا الكاتبة الى سقوط الوعي الشرقي عبر تهالك دويلات الاتحاد السوفيتي وانهيار الوحدة الشرقية المعبر عنها بالمعسكر الاشتراكي ...

كما الثاني اقصد هذا المعسكر .. لنجده يفقد نفسه قبل ان يفقد حبيبته التي سوف لا تعدم وسيلة لانقاذه ولكن من دون اي جدوى .. بعد ان كانت ارتهنت وجوده بوجود الثورات وبانهيار السوفيت ينهار الشاب وينتهي ..



ففي تلك الأثناء جاء انهيار الاتحاد السوفييتي ليكون منعطفا" خطيرا" في حياة حسام الذي دخل حالة كآبة طويلة لم أستطع إخراجه منها ,



لكنها لم توقف مسيرتها الحياتية باعتبارها المد الحقيقي للاجيال السابقة وانها الخلف لهم وانها الطريقة الوسطى والاعتبار الاجدر للاجيال اللاحقة :



فتابعت حياتي ورحت أتأقلم مع النظام العالمي الجديد ,



وعندما نعود الى تلك القواسم المشتركة التي ربطت ما بين الشابين نجد ان الفتاة المتحضرة والتي تعبت على نفسها حتى وعت حاضرها ومستقبلها تعاني من الاثنين كل الامرّين

كما عانت الانسانية والحضارة من المعسكرين الشرقي والغربي

كما عانت من الاستبداد الديني العالمي والاستبداد العلماني العالمي



عندما طلب مني أن أربط شعري لأن منظر تهدله على كتفي وملامسته لخصري  يثير مشاعر الرجال , ظننته يمزح فلم أهتم بكلامه وبقيت أتعامل مع شعري حسب مزاجي وحسب حالة الطقس .



كان الاول يطالبها بربطه دون تسبيطه

بينما نجد الثاني يطالبها بالعكس مما يضعنا امام منظارين :



فتابع بحدة: ولكن لا أريدك أن تتشبهي بأولئك الأمريكيات ... أحب أن تكوني مثل ايفيتا بيرون... لماذا لا تتركي شعرك يتطاير مع نسائم الحرية بدلا" من تسريحة الجدات هذه ؟ !



هنا تقف الانسانية اقصد البطلة امام مفترق طريق

وانها لا تفعل الا ما تريده بذوقها وسليقتها

وانها هي المنتصرة

لانه سيكون بوسعها ان تتخلى عن كلا المعسكرين وتقيم شأنها بنفسها بل ان تقف على قدميها وتنهض بأودها دون الحاجة الى احد

مع انها تعبر عن اكتشافها الحقيقي لمراد كل تلك الافكار وعن وعيها الرشيد بمغبة التواطؤ مع امثال هؤلاء باعتبارها وليدة الحضارة وهي الكيسة والحصيفة المبالغة في وجدانها الى جانب  مبالغتها في وعيها المعاصر :



ظللت دقائق مذهولة لا أجد ردا" وخصوصا" أنني لم اعرف من هي هذه الايفيتا إذ تصورت أنه يقصد زوجة نيرون الطاغية الروماني فعجبت لأن ما أعرفه أنها قتلت بوحشية على يد زوجها !



انها تعبر عن دورها في الحياة

وانها ليست بحاجة الى حسام كما عبرت في تخليها عن خالد بعدم حاجتها اليه هو الاخر وانها تعارض العنف والقتل والجريمة وانها حرة ليس لاحد ان يفرض قيوده وسلطته عليها ابدا .. من خلال تمريره رغباته وبالقوة او بكل اشكال تحضره الخاطئ ..

انها هنا تربط بين المستحيلات

هذه الحضارة والتحرر والثورات التي ينادي بها حسام والتي يناصرها لم تكن جرائمها بأقل من جرائم نيرون طالما ان ابطالها ما كانت تمثل فيهم الفكرة والايديولوجية الا صدى لنيرون وامثاله او رجيع الصوت وامتداده الذي يعود الى نيرون وامثاله من المتوحشين في القتل والجريمة .. بحق الانثى

الانثى ما كانت الا حضارة الشعوب المستيقظة

هي الفتاة الريفية التي وعت الافق وعلمت كيف تشرق الشمس حقيقة واستدلت ببرهانها العقلي على اصالة الوعي والالتزام بالنمط الحر ..



المهم أن حسن الحظ حالفني بعد ذلك , والحيرة التي أوقعني فيها نتيجة موقفه الراديكالي من ضفيرتي لم تدم طويلا" بسبب توالي الأحداث الجسيمة التي طغت على قضيتي



وحسن الحظ هنا هو تدخل الاله

وتدخل الانسانية معا

وهي مسوغات الحضارة والعيش الكريم والتطلع الحر

.....

بينما اعلنت الكاتبة عن بريق الحب القادم حينما قالت وعلى لسان البطلة التي كانت تحكي الحكاية لنا من اولها والى نهايتها :



فتابعت حياتي ورحت أتأقلم مع النظام العالمي الجديد , ولم ألبث أن قصصت شعري حتى الأذنين تماشيا" مع موضة الشعر القصير



لانها كانت تستغرب ومنذ بدء الحكاية ان يقنن الحب وان تقنن الحضارة :



غريب أن يجدل الشعر والايديولوجيا والحب ضمن ضفيرة واحدة



انها فتاة العصر والريف التي مرست على العيش في الهواء الطلق والفضاء النقي وان تعيش مع الطبيعة والفلاة والهضاب والجبال وان تعبر عن لونها ومسارها بكل حرية وايمان .. وهي التي كان لها ان تتأقلم مع نسيج الحضارة العالمي وهي التي ما كان لها ان تصنع الا ما يبدو لها اجمل .. يعني انها من جانب تفهم حركة التأريخ وطبيعة العصرنة ولا تعيش بمعزل عنها .. الا انها وفي نفس الوقت لا تعبر بالضرورة الا عن تصوراتها الخاصة وقناعاتها التامة وفي ظل عيشها في وسط الحضارة وانشغالاتها بالرغم من انها كان عانت ما عانت من ظروف الاستلاب الفكري مع الشابين ..

لانها كانت ومنذ صغرها تعيش ببراءتها المعهودة وفطريتها الريفية النقية من حيث انها ترى نفسها ميزانا حقيقيا لمبدأ العيش :



منذ طفولتي امتلكت شعرا" طويلا" كثيفا" يكاد يغطي نصفي العلوي  , والاحساس الوحيد الذي خلقه كان مستمدا" من فخر أمي به عندما تمشطه بعناية وتضفره جديلتين معلقة في طرفيهما الشرائط الملونة .



فما كانت جديلتاها الا ميزانا للعرف الصحيح وانها وجه العدالة الانسانية من حيث ان كل جديلة كانت ولما تزل تمثل عندها كفة ميزان وهي الحضارة والنقاء والفطرة .. وهي رأس الميزان الذي يعرب عن تحديه لمعسكرات الشرق والغرب من حيث انها رأس الحربة التي تبقي كلا الطرفين متعادلين ..

والام هنا تعبر عن سعادتها وحريتها ورغبتها

كما انها في اخر الحكاية لم تقص شعرها الا لانها لم تكن لكل تلك المسائل اي اهمية طالما لم تكن ترتبط بمنطلقاتها الانسانية

يعني ان افكارها طالما لم تكن تمثل وعيا حقيقيا متطابقا مع رغبات الانسان وحريته الشخصية فانه ما كان له ان يحتل عندها اي قيمة الا ان يمثل لها وقعا حضاريا او امتدادا في رغبتها العنيفة

لانها تجد تجسيد رغبتها والتعبير عن متطلباتها اشد ايصالا لنفعها واهطل اسباغا على كل اشيائها الايديولوجية :



ولم ألبث أن قصصت شعري حتى الأذنين تماشيا" مع موضة الشعر القصير.



لانها كانت وجها اخر للحضارة اكثر نصعا .. من وجه خالد وحسام

حينما فرضا عليها قسريا لم تصغي

ولكنها بفعل وحيها الداخلي اصغت

فالسعادة ليست قسرية طالما لم تحقق رغبات الفرد الذاتية وتطلعاته الشخصية ... لانها ما كانت ستكون حينئذ الا تحقيقا لرغبة اخرين !

ولا ننسى ان خالد كانت ذاقت منه ويلات ذكرتها بشمشون وجديلته

بينما أذاقها حسام ويلات ذكرتها بنيرون وقتله لزوجته وبكل وحشية

واذن هي تمكنت عبر جديلتها ان تحارب التعسف الذي وقع على كاهلها وان تنصب غيظها قامة فارعة بوجه طغيان خالد وحسام

اذن الجديلة كانت تمثل فكرة تقوم بنفسها

تاخذ اشكالا عدة لانها ليست الا شعرا في الحقيقة

هي تعود الى الاصل وهو الشعر

متى ما انتفت الحاجة الى طوله عملت على تقصيره والحد من طوله

فلا افراط ولا تفريط في الفكرة

وان للزمان والمكان سعتهما الفنية في تحديث الوان العيش

اخيرا

ربما فاتتني اشياء واخرى

ارجو ان تتقبلوا عذري

وشكرا

...............

احلى التحايا وازكاها الى السيدة الكاتبة المبدعة هيفاء يوسف عجيب

واجمل الامنيات الى كل الاصدقاء

جمال السائح

Almawed2003@yahoo.com

www.postpoems.com\members\jamalalsaieh










View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: