صلاح أحمد إبراهيم : فى الغربة





هل يوماً ذقت هوان اللون



ورأيت الناس إليك يشيرون، وينادون:



                       العبدُ الأسود؟



هل يوماً رحت تراقب لعب الصبية فى لهفة



                                    وحنان



فاذا أوشكت تصيح بقلب ممتلئ رأفة



ما أبدع عفرتة الصبيان!



رأوك فهبوا خلفك بالزفة:



عبد أسود



عبد أسود



عبد أسود..؟



هل يوماً ذقت الجوع مع الغربة



والنوم على الأرض الرطبة



الأرض العارية الصلبة



تتوسد ثنى الساعد فى البرد الملعون



أنّى طوفت تثير شكوك عيون



تتسمع همس القوم، ترى غمز النسوان



وبحد بنان



يتغور جرحك فى القلب المطعون



تتحمل لون إهاب ناب كالسبّه



تتلوى فى جنبيك أحاسيس الإنسان



تصيح بقلب مختنق غصان:



وا ذل الأسود فى الغربة



فى بلد مقياس الناس به الألوان!



* * *



أسبوع مرَّ وأسبوعان



وأنا جوعان



جوعان ولا قلب يأبه



عطشان وضنوا بالشُربة



والنيل بعيد



النيل بعيد



الناس عليهم كل جديد



وأنا وحدى...



منكسر الخاطر يوم العيد



تستهزئ بى أنوار الزينة والضوضاء



تستهزئ بى أفكارى المضطربة



وأنا وحدى..



فى عزلة منبوذ هندى



أ تمثل أمى، اخوانى،



والتالى نصف الليل طوال القرآن



فى بلدى



فى بلد اصيحابى النائى



الأعصم خلف البحر وخلف الصحراء



فى بلدى



حيث يعزُ غريب الدار، يُحب الضيف



ويخص بآخر جرعة ماء عز الصيف



بعشا الأطفال



ببليل البشر والإيناس إذا ما رقّ الحال[1]







وأخذت أغنى فى شجو، ألمى ظاهر



يا طير الهجرة..يا طائر



يا طيراً وجهته بلادى



خذنى بالله أنا والله على أهبة



قصت أقدار أجنحتى



وأنا فى زاوية أتوسد أمتعتى



ينحسر الظلُ فأمضى للظل الآخر



* * *



لكن الطير مضى عنى



لم يفهم ما كنت أغنى.


View sudan's Full Portfolio