دراسة نقدية سريعة في قصة الدائرة لاسيا علي موسى

دراسة نقدية سريعة في قصة الدائرة لاسيا علي موسى



بقلم : جمال السائح



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



نص قصة الدائرة تجدونه هنا



الدائرة



GMT 19:45:00 2006 الجمعة 26 مايو

اسيا علي موسى







--------------------------------------------------------------------------------





شيء يمور أجواء صيف خانق، ظهيرة قائضة،كتلة لهب في الأفق،تلهب الأرض و تنزل السماء.

السماء تدنو من الأرض، يلفهما غطاء رمادي ثقيل.

الجو كتلة أخرى تكبس على الأنفاس المتعبة.

السماء تفتي في شؤون الأرض و تحرقها عقابا.

الأرض، تتأفف و تنفث دخان عصيانها، معلقة بين الخطيئة و التوبة.

و الكل موزع بين..نار كائنة و جنة موعودة.

الشيء الذي يتحرك في ظهيرة صيفية متوهجة اخترق الطريق ببطء، يكركر أزيز محرك متعب و ينفث دخان نزقه في كتلة الرماد الكبيرة،..الطريق دائرة مرسومة في الفراغ.

ذلك الشيء، حمل في بطنه سراديب مخلوقات تائهة نظراتها في الفراغ، تشخص الأمام و الخلف و الجنب و التحت..

تحدق في امتداد مزارع مصفرة شاحبة، و أسقف بيوتات

ساكنة، تحدق في كل شيء..لكنها..

تبتلع الصمت و تجتر جنون الثورة..

..............................................

كر..كر..كر..

ـ أمي، متى سنصل؟

تضع الأم سبابتها على فمها و تشير لابنتها بالصمت.

تقرب البنت أذنها..

ـ ألف مرة قلت لك لا تتحدثي في سيارة الأجرة، عيب و ابوك لا يحب ذلك.

وشوشت لها بصعوبة و هي تكتم تردد أنفاسها داخل السيارة

قطبت البنت حاجبيها تعجبا، و تأففت.

اخترق السائق الصمت الثقيل:

ـ غدا يوم عطلة؟ أليس كذلك؟

مضى و قت قبل أن ينطق الرجل الذي بجانبه بكثير من التحامل على النفس:

ـ نعم، يوم عطلة.

يتعلق السائق بالجواب، كالغريق بقشة:

ـ عيد النصر، من سنوات لم نحتفل به، لماذا يعود هذا العام؟

تعمد الرجل هذه المرة أن يبدي ضيقه، فلم يرد.

تململ السائق بكثير من الحرج، حاول أن يسعل، لم يخرج من صدره شيء، كانت أنفاسا مضغوطة سلفا و معدة لمواقف كهذه، استنزف أنفاسه ثم راح ينشغل بالزجاج:

ـ اليوم قالوا في النشرة ان درجة الحرارة ستفوق المعدل الفصلي. تلخبطت كل الفصول و لم نعد نميز مناخنا،الله يستر، كل شيء تبدل..حتى الأعياد..

ألقاها بهدوء خشية ربما من ردة فعل الرجل..

يعود الصمت من جديد..

يحط لعنة الشرود في ما تحمله القلوب المثقلة.

أحلام، أوهام، حقائق، سراديب الحياة ضيقة، تغري بالدخول و تحيل الى الجحيم.

المرأة الجالسة في الخلف، تنشغل بتعديل الخمار الذي يخنقها، تنزع الدبوس ثم تعيده، تكتم تنهيدة، تمسح العرق المتصبب على جبينها، تدخل الشعرات المتمردة على سجنها،تفكر في تمردها هي أيضا على سجن آخر فرضته عليها قوانين طبيعة قاسية و شمس تلفح أحلامها منذ الطفولة و تخرسها إلى الأبد:

ـ كثرة السؤال تؤدي إلى الجهل..لا تسالي كثيرا،أطيعي،

أطيعي،اصبري و هل ينال الا الصابرون.

كوني عاقلة،اياك الجنون، الجنون من الشياطين و الشياطين من النار و الى النار و نحن من الطين و الى الجنة ,,كوني راغبة في الجنة،حليفة للطاعة،و لية للقوانين.

شمس الحق قيل لها دائما،..

النار تلفح جلدها و رائحة البنزين المحروق تصيبها بالغثيان

و صوت محرك السيارة يتكركر بداخلها، مناظر المساحات المصفرة الناضجة لليبوس،سكون الأبدية الذي يربض على الفضاء، العرق المالح الذي يسري مع كل جسمها..

حلمها ب..ماء زلال..

البنت، تنتفض من صمتها المفروض و تعلن العصيان:

ـ اوف امي، متى سنصل. قولي له يسرع أريد أن البس ثوبي الجديد

تهم الأم بنهرها لكنها تتذكر..

تتذكر عرقها و نارها و شمسها و طريقها..فلتزم الصمت

تبتسم فقط بمرارة.



............................................



الرجل الذي بمحاذاة السائق، لا يتحرك و لا يتكلم، لايمسح عرقا و لا يعدل جلسة و لا ينظر إلى الخلف، و لا إلى الأمام، عينه في فردتي حذائه فقط:

ـ الحر يقهر، يجعلني أفكر في تعرية كل جسدي، في سلخ جلدي، في حلق شعر رأسي، أحيانا أفكر في الهروب الى بلاد أخرى، لا تقترب شمسها من أرضها كل هذا القرب.

كثرة النور تعمي البصر و شدة الحب يسلخ الجلد، يسلخ الكيان..

ان تلتصق الشمس بالارض،حب و جنون، عناق كابس.

أحب الشمس و اكره حرها..

وهل الشمس الا كوكب يلتهب؟

يوما ما ستحرقنا جميعا و تفجر أرضنا حبا و تحيلنا كتلة سديمية،ستفتت الارض نجوما زائلة و تغيب.

و هذا الغبار الذي يعلق بفردتي الحذاء، يزعجني حد القرف

انحنى على حذائه و نزعه، قربه من عينيه جيدا، تشممه جيدا، مسحه بكمه، ثم اغمض عينيه و القى به من النافذة..

شهقت المراة..

ضحكت الطفلة..

تعجب السائق..

صاح الرجل:

ـ سأمشي حافيا، سأمشي حافيا.



alimoussa_assiadz@hotmail.com















دائما نهتز حينما نقرأ لاسيا

تحاول ان تقدم صورة خطيرة عن الوضع الاجتماعي العام

لمجتمعاتنا العربية

انواء تنوء بكل اثقالها

ولا تقدم منها اسيا لنا سوى القليل

وهذا القليل يكاد يتركنا مغشيا علينا

من شدة النزيف الذي تورث مشاعرنا اياه

صمت ابكم

يحتال على كل مسالكنا الجغرافيا في حياة تمتد الى اعظم انتصاراتها

هل يمكن ان يولد الفشل من ذكريات النصر

هل يمكن ان ينقلب النصر الى ازمة من الصمت

للطفولة ولاجيالنا الجديدة ان تقف امامها غير صامتة

وقفة غير مأهولة بالحداد الكاذب والشعارات البراقة

كلام الصغيرة يوحي بتواصل العيش

والحياة والامل

والسعادة

والتكابر على كل الاحتيالات التي ما عاد لها من مكان

وخلع الرجل لحذائه

ورميه

بعد صمته المفجع

ما كان الا غراما

بكل اشيائه ورجولياته القديمة

ليكن صريحا

داخله وليس خارجه

لانه حين فعل

ما تكلم في داخله الا موروثه الاصم

وحين فعل ما صنع الا ان قال كلمته

تلك التي كانت فجرت فتائلها الصغيرة

وتلحقها في صمتها الاثير

امها والسائق

لكن حركة السيارة وحرارة الاجواء

كان لها ان تعكس ذكريات

لم تتوالد بعد

لان الشمس لم تحرق الارض بعد

ولم تقترب السماء بعد الا بقدر حرارتها

لكن حرارة الشمس

تثبت ان الشمس تحاول الاقتراب

وان هذه الاجيال

وهؤلاء جميعا

يحسون بتغيرات ساخنة

ليست كما في الامس

كانوا يعيشونها

اصبحت الحياة لا تطاق

وهم يتنبهون الى وقوع احداث وولادة مصائر شرسة

عبر حرارة الاجواء

والصغيرة

ما كانت تعبأ مباشرة ولا حتى بحرارة الاجواء

تود الفرح بالنصر

وتلبس ثوبها الجديد

اي نصر هذا الذي يفرح لاجله الصغار

والكبار لاجله يرسلون بحاميات ارجلهم في العراء

الا يمكن ان يهدى لاحدهم في مثل هذه الايام زوجا من الاحذية

هل يبحث الرجل عن وطن اخر

هل تبحث الاعراف الاجتماعية عن بلاد وشعوب اخرى

كي تنتعلهم

لكن تخلص الرجل من حذائه

كان في غير محله

وكان في الظاهر عملية غير صائبة

لانه سيعرض نفسه الى حرارة اوقع

يعني

ان مثل هؤلاء المتنفذين يبقون صامتين

لكنهم حين يتكلمون لا يعون ما يقولون

وان اخطاءهم اكبر من صحيح اعمالهم

وصوابها

لكن تبقى السيارة في حركة

ولا تتوقف

الحياة في حركة دائبة

وجمالها يبقى مخضلا بفرحة الصغيرة

والام متكتمة

ووشاحها ما يزال يثري النص بتقليدية العيش وركام الماضي

ركام ايام النصر

التي نفخر بها كذلك

كما نفخر بتواريخنا ومواريثنا التقليدية والمليئة بالاخطاء الشائعة

والسائق

عجلة الزمن

تريد تحريك الرجل صوب الكلام

ولا يتحرك

ولما ينزع وينصرف عن تحريكه

نجد الرجل يتحرك تلقائيا

وفي اتجاه غريب

مغاير لكل الاعراف

هذه حقيقة اعرافنا

وتقاليدنا

ثم

ان نفس الحوار

المنطلق من حنجرة الرجل الداخلية

وحواره غير المطلوب

كان متأزما

يفتش عن الوان الوهج

لان النور اصبح يعميه

يفتش عن وضوء الانفاس

تلك التي لها ان تحب الشمس وتكره حرارتها

انها الوان الفطرة

الفطرة الانسانية التي غادرت الانسان

فالقاء الحذاء

هي نقطة دامية وصرخة

ربما كانت منفية او مثبتة

لكن الاخيرة تثير انه لا شيء يستحق الحياة والحرية

الا هذا الحذاء

هل النكتة صارمة الى هذا الحد

لان الرجل بات يثور من دون وهج ينبي عنه

او يعلن عن سبق تحركه

بل ان تخليه عن لازمة من لوازم حياته

يعبر عن فوضى وضياع في التفكير الضروري

سياق لا يتخذه المجال الادبي

الا حينما تتوالد الوان اخرى

في النص

ليس لها ان تظهر بمثل ذلك الوضوح

وريما ما كان يكترث لها احد

بقدر ما كان يهتم لها الابطال في النص

نفس النص

ينقلب وهجا يفجر الاشلاء والاحداث والصمت

لان التقنيات اصبحت تفتش لها عن تقنيات اخرى

كما الرجل اصبح يفتش عن شيء يبرد رجليه غير الحذاء

حتى الرجل الصامت

خرج عن صمته

واصبح يفتش عن بدائل

في عالم تحرم فيه البدائل

في عالم اصبح يعيش افراده على الموروث

لا بدائل

لان اي بديل يمكن ان يعبر عن خطر هجوم ثقافي

خطر تبديل لسياسات العمل

حتى لو كان ضروريا ومفيدا

لذا

الرجل يخترق هذه الاوهام ويحارب اماله المؤقتة

ويفرض على الطرف المقابل ان يفتش له عن بديل

لانه ما عاد للحذاء اي مكان

ذهب ولم يعد

والان رجليه بدون حذاء

على الاخرين ان يفتشوا له عن بدائل تقيه حرارة الجو

والشمس والحب

الذي صار يفتقده منذ زمن

بسبب الموروث الذي كان يقيده

ولا يتيح له المجتمع عن ان يفتش له عن بديل لمثل هذا الموروث

فلقد كان تركه مقيدا بمثل هذا الحذاء

لذا حين القاه

كان له ان لا يفعل

الا بعد ان يشمه

شم رائحة الموروث

والقيد

فاشمأز منها

لماذا يفعلها الان

لماذا لم يفعلها في اي مكان او وقت اخر

ولماذا تشهق المراة

وتضحك الصغيرة

ويتعجب السائق

بينما يقرر الرجل انه سيمشي حافيا

بعد ان فقد القدرة على اقناع من حوله

بضرورة التغيير التي كان هو الاخر مندمج في سياقاتها المنفية والمتعاكسة

لكن حين يقرر الصواب

في رايه

يجد من حوله يعجبون

ولم يرهم يعجبوا من سطوة الموروث والماضي عليهم

وايام النصر البلهاء

وشعارات المجد غير القابلة للتصديق

لانه ما عاد يرى مؤشراتها الحقيقية

بل كان رايه الوضيح ان نفسه كانت ترى اكثر

وحاسة الشم لديه كانت انقلبت اشد تبصرا

لذا

كان له ان يقرر الخلاص من قيده

ومن موروثه

وهو الحل الاكيد لايجاد البديل

لانه طالما احتفظ به

فانه ما من احد سوف يفكر بتقديم حلول بديلة له

لانه يحتفظ بحلوله القديمة

هو اضطر الى ذلك

والا القانون العقلي يقول

ان نفكر في البدائل

ثم نتخلص مما لدينا

لكنه اضطر

وهذا ربما اوحى لنا بصمت الحليم الغاضب

اياكم وغضبة الحليم

هكذا الفكر العربي اصبح يتصابر

ينتظر حرارة الشمس

كي تشعل فيه مقدار الحب المعبأ في ذاكرته

ليعبر بالتالي عن ازمة حالية وتكاثرية

ربما تبحث عن الحب الضائع

شكرا لاسيا

وشكرا لموهبتها

محبتي



جمال السائح

View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: