الحلقة الثانية من دراسة عنيدة في نص غيداء الطباع الى ام

دراسة عنيدة في نص غيداء الطباع الى امي

الحلقة الثانية

بقلم : جمال السائح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تقول غيداء :

إلى وردة جورية

خجل الليلك من فرط حنانك

ست وثلاثون  عمر حبي لك

وإجلالك ..

وليته يطول ..

يقولون أننا في فصل الربيع ؟

وما أنت يا ماما إلاّ ربيع أيامي

...................................................................

في مستهل حديثها

واوليات كلامها

نجد ان غيداء

تحاول ان تسجل لها حضورا

يتمتع بمعنى اخر

وذلك من خلال احتواء الطرف الاخر لها

وعدم احتوائها له

عبر سني عمرها التي تحصيها

من ثم انها ترفل في الربيع

والذي ما كان يمثل عندها سوى الام

هنا انتقالة في لعبة الحركة

انها تتنسم روح التبادل في المكان

بدل ان تعبر عن اشتمالها على المحبوب

في صورة الام

لا تزال تتمثل صغيرة

امام نفس الام

انها تعيش في زمن الطفولة

رغم ما تصرم من عمرها الذي تحصيه

لتثبت مدى ولائها وعظم امتنانها

انها طوال كل هذه السنين

هي ما تزال تدور في فلك الام

وان عمرها كاملا

ما كان يستدعي منها

الا ان تقف تعبر عن تبعيتها والى الان

والى الان هي ما تزال نفس تلك الطفلة

الطيعة والموالية لامها

فهي اذن لم تتغير

وبراءتها ما زالت تدهشها

لانها ما فتئت تبرهن على حبها واستجابتها

لنفس المصدر الذي كان يعنيها

وهو نفسه ما فتئ يعنيها والى اليوم

مثلما كان يوليها عنايته

فهي الى اليوم تتمثل حاجتها اليه

وانها لا يمكنها الا ان تعيش في خضمه

لانه يمثل الربيع لديها

فهي اذن ما تزال نفس تلك الصغيرة

وهي لم تتخل بعد عن تبعيتها للام

وان هذه الاخيرة كانت ولما تزل هي الاخرى

تعيش في نفس هذه الصغيرة

لكن حين تتمثلها تصبح الفاصلة ما بينهما

تعد بست وثلاثين سنة

وهي عمر حبها لها ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



تقول غيداء :

ماما أناديك من الغربة

أناجي ربي  أن يحميك

يقولون عيد الأمهات غدا"

ولم يدروا أنك عيدي واحتفالي

كل يوم

كل دقيقة

كل السنوات

كلمة أحبك تسير مع عقارب الساعة

.......................................................

لدينا غربة تعيشها غيداء

ولدينا ام تناديها غيداء

ولدينا رب تناجيه غيداء

ولدينا عيد للامهات تحتفل به غيداء

والقاسم المشترك الذي يتحرك في خلال هذه الاربعة

هو عامل الزمن

في داخل غيداء

لكن غيداء تعيش الغربة

بمعزل عن افراد اسرتها

لانها تقول

ماما اناديك من الغربة

فهي تعرب عن حاجتها الى الام

ولما كانت قد اصبحت هي الاخرى اما

خافت ان يكتشف من حولها

من افراد اسرتها هذا الضعف لديها

فيؤثر على مدى علاقتها بهم

ومن ثم ربما ادى مثل هذا

الى انبعاث احساس بالاشفاق من قبلهم تجاهها

وهذا ما لا ترغب به ابدا غيداء

لذا هي لا تفصح عن مكنون وعيها

ولا تبيح منوال سرها

ولا تكشف عن مسودتها

الا لامها

وهنا ايضا

ما ارادت ان تزعج امها

وتشغل بالها اكثر

وتعلن عن حاجتها اليها كما في الامس

وانها بحاجة الى امومتها

ولاكثر من حاجتها اليها في الماضي

فأقامت تورية

ضمنت حاجتها الى الام

بعناوين شتى

اساسها الغربة

فحملتها محملا مجازيا غير معنونا

على مشاعر كان لمثلها ان تختزلها

وليس لمثل غيرها

لانها غيداء

وليس الكل مثل غيداء

لان غيداء رضعت حنان الام

وارضعته لاولادها

فهي ما زالت تعيشه

وتعيش حبها لامها

ولما كان لها ان تعيش مثل هذه المشاعر

فلا بد وان تتفجر نفس هذه المشاعر

لتعرب عن حاجتها الى حنان الام

والى الامومة

كما لو كانت صغيرة

بالرغم من مرورها بست وثلاثين عاما

لكنها ما زالت تعرب عن صغرها

وانها لا زالت تلك الصغيرة

سواء في عيني امها

هكذا هي مستيقنة

لانها تعرف امها اكثر من غيرها

وسواء كانت نفس تلك الصغيرة

التي اعربت وعلى الدوام

عن حاجتها الى حب الام وحنانها الدائب

لان البنت اقرب الى الام من ابيها

لان الام يفترض ان تكون مستودع اسرار البنت

وان الام لا بد وان تتلبسها عاطفة

اكثر وشائجية وتحنانية وتوهجا من نفس الاب

الذي اعتاد حياة عملية

يقضي جل اوقاتها خارج البيت

بينما الام

كان لها ان تعتاد على افراد اسرتها

اكثر من الاب

بل كان لها ان تألف وجوههم والنظر اليهم

اكثر من الزوج

وذلك بحكم الطبع البشري والفطرة الانسانية

والنمط المعيشي وتنوع المجازات التعاصرية

التي لها ان تغمر حياتنا اليومية

وحجم التفاعلات

وكينونة برامجها وطبيعة متغيراتها

......

بينما تظل غيداء

تعرب وفي بداية اغلب مقاطعها التي عرضت لها في النص

عن غربتها

وعن ندائها للام

بشكل واضح

حيث تفصح عن حاجتها لحنانها

كما لو كانت نفس تلك الصغيرة

وبذلك فهي تطمئن الام ايضا

على ان غيداء ابنتها لم تتغير

ولم تغيرها ظروف الحضارة

مهما ابعدها الزمن عنها

وانها من جانب اخر

ما زالت تعرب عن حاجتها لامها

وليس فقط عن ايفائها بحاجة الاخيرة لها

انما عن حاجتها ايضا

والتي غدت متجددة

وبدت مستفحلة اكثر مما كانت عليه في الامس

وهي في اليوم اكثر منها في الماضي !

وهذا يدهش حقا

ويبرز قيمة غيداء

تلك البنت البارة لامها

وتلك المثقفة البارة لوالدتها

وفي نفس الوقت الذي تعاني فيه غربتها

وبعدها عن اهلها

فانها لا تعكس حقدها على القدر

على نفس الاسرة

فلا تمنعهم حبها ولا تشح عليهم في عطائها الحناني

ولا تبخل عليهم في اسداء كل وهجها التحناني اليهم

كثير من يلقون العنت من الاقدار

يعكسون الامهم على من حولهم

ويعبرون عن غضبتهم باشكال غريبة وشديدة للغاية

فلا ينال سخطهم في البداية الا الاقربين

لكن غيداء

ما كانت من هذا النوع

لانها لا تعيش الحقد والخبث

فالغربة تزيدها وهجا

وجمالا

لان حب الام ما زال يعرش في قلبها

ولما كان له ان يكون كذلك

فان فطرتها لا بد وان الحضارة لم تلوثها

لذا فهي لا تعكس حقدها على الاقدار

حقدا ضروسا على الاولاد

بل هي لتزداد تفاعلا معهم

كلما ازدادت مواجع غربتها

كما لو كانت لا تعبر عن ردود فعل عكسية

الا بصور ايجابية مدهشة وللغاية !

.....

فهي تعيش الام في كل يوم

بينما في خارجها

يحتفلون بعيد الامهات في يوم خاص

اذن

فالام تسكن غيداء

وغيداء تعيش بذهنية الام

الغربة ، الرب ، الام ، العيد

الرب هو الذي صنع الام

وبوسعه ان يحافظ عليها ولاكثر من الايام

كي تكون كل الايام عيدا للام

فبسبب من الام

كان لغيداء ان تحتفل بعيد الامهات

وبسبب من الام

كان لغيداء ان تعيش الحفل في كل يوم وساعة

هنا الام تتجسد معانيها في اكثر من دلالة واخرى

اصبحت هي نفس الزمن الذي تعيشه غيداء

وان غيداء رغم غربتها

فان ارتباطها بالام عن طريق الرب

كان يهيئ لها اجواء التواصل مع امها

وبالتالي مع عيدها

وبالتالي فهي بسبب من هذه العلل

هي تواصل العيش لان كلمة احبك

تسير مع نفس عقارب الساعة

وما كان الحب لدى غيداء سوى الام

واذن ما كانت الحياة لتمثل لغيداء سوى نفس الام

لذا فالمعادلة المنطقية تقول

الحب يسير مع عقارب الساعة

الحب عند غيداء لا يمثل سوى الام

اذن ما كانت عقارب الساعة لتمثل سوى نفس الام

وذلك بعد حذف الحب

..............

عقارب الساعة تمثل الام

والحب يسير مع عقارب الساعة

فيعود الحب ليمثل الام والعكس صحيح

..............

غيداء تعيش في الغربة

الام تمثل عيدا لغيداء

اذن عيد الام ايضا يعيش في الغربة

..............

لكن غيداء تناجي الرب

كي تغالب غربتها

لانه سبب الوجود

حينها سيكون لغيداء ان تعوض عن غربتها

وحرمانها من الام

حين يكون لها ان تحتفل بعيد الامهات

في كل يوم وساعة

حتى تتجسد متقمصة شخصيتها

كي لا تفكر حين تفكر بنفسها

الا بالام

هنا ادغام من قبل غيداء

تخاف ان تفكر بنفسها اكثر من تفكيرها بالام

لذا هي تتقمص شخص الام

كل يوم وساعة وكل يوم ودقيقة وسنة

فما كان هذا الا تقمص حقيقي

لنفس شخص الام

هذا من الناحية الخارجية

اما من الناحية الداخلية

فسنراها تتقمص دور الام

من حيث تمنح اولادها

كل ما منحته لها نفس امها  

لتتكرر دورة الزمان

يعني انها في كل يوم وساعة وسنة

هي تعيش حفل عيد الامهات

من خلال ولائها الخارجي لامها

ومن خلال انفتاحها الداخلي على افراد اسرتها

وهنا تعبر عن ضرورة حسن ظن امها بها

لانها كانت لها ان تعيش مع امها ليل نهار

حينما يكون لها ان تكرر وجودها وعنايتها

تكرر خلق امها

ولكن مع اولادها

لكي تبرهن انها تعيش الام

ليس فقط في ولائها لنفس الام

ولكن في انعكاس نفس شخصية الام

على كامل يومياتها

بما فيها الدقيقة واليوم والسنة

انتهت الحلقة الثانية من الدراسة

وتليها الحلقة الثالثة انشاء الله

جمال السائح

Almawed2003@yahoo.com

www.postpoems.com/members/jamalalsaieh

2006-01-30


View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: