شرح عوالم ماجدولين الرفاعي ـ الحلقة الاولى

القسم الاول من شرح قصة (تباَ لك ايها الموت) للسيدة المبدعة ماجدولين رفاعي





في اول افتتاحية لقصتها تفاجئنا السيدة ماجدولين رفاعي بهذه الكلمات



خذلني غيابك بعثرني



( 1 )

  

تعلن ولاول وهلة عن هزيمتها عبر صفة الخذلان

وتعلن ان الجانب الاخر مغيّب وبالقوة

ومن ثم تعلن عن نتائج مثل هذا التغييب وهو فعل : بعثرني

...................



( 2 )



ثم تبدأ بتبرير الوضع الذي انقلب الى سرد خاطري ينساب مع لحن حزين يكاد يتواصل مع كامل النص الا حين تكشف الكاتبة عن جديدها مع التلوينات والحذقة غير المترقبة



أعلم أن الموت



لا يستشير أحداً



اولا : مستبد فلا يرى الى اشارة احد ولذا فهو لم يشر علي ولم يطالبني بالرأي بل فعل ما فعل عن اجتهاد منه فما كان له ان يرجع الي ولو فعل لكنت رفضت



يأتي بغتة



ثانيا : يصدر قراراته فجأة عبر عنصر المباغتة فما كان بوسعي ان اعلم متى يأتي ولو علمت لتصديت له ولكن يا عمري حتى لو علمت وان كنت افصح عن بغتته فما الذي كان بوسعي ان افعله ازاء سرعته الفجائية التي كان بوسعها اقتلاعه لي معك انا الاخرى



ليحمل الروح على كفيّه





ثالثا : يتكفل بصنع قراره ويرتفع بك الى كفيه التي لا تبلغها نفسي لكن لكم تعلم انه هنا استثارني حقا لان الاعداء غالبا ما يجرجرون اجساد من ينتهون من قهرهم ليعربوا عن مقدار الذل الذي لحق بهم لكن الموت هنا كان يحمل روحك بين كفيه يعني كان يحتضنك كما لو كان يعد لك مضجعا ثمت ليفيد منك هناك



ويسافر..





رابعا : سلاحه المخبّأ هو انه يرحل فلا يترك لي مجالا كي اقارعه فيك فاستردك منه



لا يضعف أمام توسّلاتنا



خامسا : قاس الى حد لا تثيره ولا حتى توسلاتي





ولا يغيّر رأيه أمام دموعنا..





سادسا : مرة اخرى هو قاس وليس له ان ينعطف ازاء ادمعي فتذكر يا حبيبي اني قد اسهبت في البكاء امامه وانا التي ربما لا تفعل مثله ولا حتى ازاء المرآة لكني والله فعلت حتى سكبت من العبرات دموعا  



( 3 )



هي تدفع عن نفسها طائلة اهتمام المحبوب ببعض الملابسات فارادت اولا ان تربأ بوجهة الحديث بعد ان تنفلت مع سيرتها الخاصة لتعرب عن اقداماتها ازاء موت الحبيب وانها ما كانت ادخرت جهدها في هذا السبيل ولا حتى بمقدار دمعة  

ومن ثم ارادت ان ترفع من مستوى الحد ما بينها وبين حبيبها بعد ان اطلعته لتقف منه موقفا متجانسا في التراتب التلقائي للحدث المفعّل حسب القسرية في الايقاع



( 4 )



تعبر هنا ماجدولين عن هدأة ما التقفتها بين ثنايا الوجع والهم الذي اصطادها وهي ما تزال تفتش عن حبيبها الغائب

هدوء تسترسل معه

ثم هدوء تفرضه علينا كلوح زمان جعل فينا التراث امرا موجعا لانه بات في حكم الماضي وما لدينا منه في اليوم لا يعدو ان يكون مذكرات تحكي سيرته

حالة من القص والتداعي سيطرت عليها

تركتنا معها نحن كذلك

حتى استهوانا العد

حينما طفح بها الكيل وانقلبت تعد لنا مثالب الموت

ربما كانت ستة

تلك التي استطاعت ماجدولين ان تقف عليها

لكن التعب يبادرها

لذا تشير وبحس خاطف غير ظاهر بانها ستختصر

خاصة حينما اعلنت



اعلم ان الموت



هنا باعدت بين صبرها وبين ثقتها المتداعية وارادت ان تعبر عن انزجارها المؤقت وصورتها الملوحة نتيجة الاهتمام بقيود اجبرتها على الحكي المتراجع عن نفسها بعد ان انارت لنا وجهتها الاساسية

لماذا ؟

لانها كانت اعلنت عن غريم قوي للغاية

يبارزها ويصارعها في احبابها

هنا تستعرض صوتها الاجش دون ان تصيب حنجرتها شيئا من الهواء



( 5 )



ولكنها حينما اكدت انها تعلم

هنا عبرت عن استكانتها وعن عدم ثقتها بما حولها الا غريمها

وانها تجبر نفسها على الخوض في صفات عدوها وهي في حلّ من هذا كله وفي غنى عنه لانه لا يستحق منها كل هذا بل يستحق منها كل تقريع

مع هذا فوصف هذا كله يستأخذ منها جهدا

وهي في مثل هذا الحال الذي لا تحسد عليه

يكون التعب شعارا اوحدا لها

ذلك التعب الذي يجلب معه كل الحظوظ الموجعة بكل نعوتها الموغلة في الايلام



( 6 )



كم مدهشة هذه الماجدولين حينما تصور غريمها بانه استحوذ على علميتها

ولقد كانت تدرك انه غريمها منذ البداية

لكنه اقتحمها حتى بدت كما لو كانت استغربته ثم تراجعت لتتأكد من انه نفس ذاك الذي كانت تعرفه لكنه اليوم ابدى عن مواهبه المغلظة ومواعظه المتكالبة

حتى صرت ادهش له أءنت فلان يا هذا

ولقد كانت استرسلت معه وهو لا يزال عدوا يستلبها من تحب

( 7 )



ولماذا التعب كان قد استولى عليها

اين هي القرينة التي يمكن ان نستوحي منها صورة التعب

انها زفرات لم تطلق لنا قواعد نفرزها الا حينما اعلنت بانها تعلم

وكان لها ان تطفئ هنا سورة كلماتها وللحظات فتطبع بصمات من النقاط (...)

والتي تدلي بواحة استطراق ومخيلة

تنداح ما بين الازمنة المغرقة بصقيع الخيال وحقيقة المصاب

الذي ترك تصديقها به لحظة فنية تدرس ومن خلالها وهج هذا الالم

كم هو مدمر حينما تصفع الآهة آهة مثلها

ثم لا يجدي وقعهما اي فتيلا

كم هي مدمرة تلك الوقائع الثابتة

خاصة حينما يقنع المرء بحقيقة لا هوادة فيها

وهي الموت

كانت تعلم ان الموت يفعل



( 8 )



لكن ما ارادت ان تعبر عنه انها ما كانت تعلم انها هي الاخرى في ضمن القائمة التي تركها الموت ملصقة في جداره كي يصيبها بشرر يقعيها حتى يترك جسدها يلامس الحس غير المحسوس بنفسه

انه الحس حين تدهشنا قناعتنا بحقيقته

وهو غير المحسوس حين يدهشنا بغير مرئيته

وانما نستدل عليه من خلال ما يخلفه فينا من اثار

هو هذا الموت

هي لا تحكي مصابها مع حبيبها بقدر ما يستنفدها الوقت الجديد بالتفكير بهذا الغريم الجديد

بالرغم من قدمه

لكنه لم يعاديها من قبل كما اليوم جعل يفعل

ترى الناس يعاديهم الموت فيستلب منهم من يحبون

ويتركهم اسرى للهموم

لكنها اليوم اصبحت وجها لوجه امامه

وتعبها ما كان يوحي الا بصرخة بالرغم من عدم وصول صوتها الينا



اعلم ان الموت



يعني اعلم به ولا تناقشني بحقيقته لاني مصدقة به



( 9 )



لكنك يا حبيبي انت السبب الذي جعل من الموت يفكر بنصب العداء لي

حتى اصبحت في مواجهته

انها لا تفكر فقط في موت الحبيب

لكنها الان اصبح الموت كليا يؤرقها

ما كانت فكرة الموت بالتي تستلبها الوعي كما اليوم

لكن حينما يستلب الموت حبيبا لنا

نصرع

ونفكر به كحقيقة مدمرة

لنصير وقتها نراه امامنا ونحس به

لانه اليوم يصارعنا

بالامس ربما صارع جيرانا واقارب واصدقاء لنا

وربما غرباء اخرين

لكننا لم نلتفت ولم يؤثر وحيه فينا

بل غرّنا وقلنا له انك لا تخيفنا

لكن حينما اوجعنا في الحبيب

نراه حقا قد تركنا في رحى الوتر



( 10 )



حتى اصبحت البطلة موتورة

تريد مقارعة الموت

فلا تجد سلاحا سوى نفس الحبيب

فتكاشفه اللوعات

وتسره النجوات

ومن ثم تخبره عن كل ما تعرف عن الموت

وصفاته

وسرعته

وبغتته

وما الى ذلكم

لتحاول ان تبرهن له عن موقفها ازاءه وازاء الغريم الذي صرع حبيبها

كما لو ان هذا كان يتكفكف منها النصح والعون ..

لذا وثبت تعرب عن خيبتها في فقدانه

وعدم وسعها في نصرته

لان العدو كان يتمثل بالموت

لذا فهي لم تخاطب الحبيب لتقول له اني هبيت لنصرتك

ولكن تعرف من كنت تحارب

وانه موجود لا يمكن الوقوف بوجهه

لذا اعفيني من نصرتك



( 11 )



هنا انتهت من عتابها الذاتي

والا ففي الاصل هي لا تخاطب الحبيب

انما تنسل من نفسها للتخلص من عذاب الوجدان الداخلي

لتصرع حبيبها بعدئذ

كرد فعل عن ضعفها تجاه الموت

وتجاه ما فعله بها وبحبيبها

يعني : انت تعرف الموت وصفاته هذه وبالكلية

فما الذي دفعك الى ان تنازله وتكون في اثره حتى تحتمل بعدها ان تقبع في مواجهته ثم تنكسر وتتداعى ميتا يا هذا ؟ !

من ثم انت تعلم يا حبيبي

انه الموت

انه القدر

انه الله



( 12 )



وهي ما تزال تعبر عن وهدتها الفكرية ولجمتها البيانية :

وبالرغم من اني اسجد له

لكن حينما يعبر عن نفسه بالموت

يطيب لي ان اقف بوجهه لاعبر عن خطيئته تجاهي

وبأسه الموجع وهو يستغل ضعفي

لانه ما كان الا موجعا

هنا ارادة الكاتبة تتغلب على كل صخبها المثير

حينما ترى الى حربها مع الاله لا تشق طريقها الا من خلال اياديه التي يرسلها الى البشر لان الموت ما كان الا مؤديا من مؤديات تحملها حصيلة تعاملات ما فوق البشرية لانه يد الاله الضاربة في ارضه

وهو المعول الذي قهر به عباده

واحالهم الى يباب

ثم رميم



( 13 )



اذن الكاتبة تسترسل لتصل بنفسها وبحبيبها الى التصديق بالاله وبوعده الحتمي

لانك ميت وانهم ميتون

وهو القادر على عباده

وان كنت حبيبتك فثمة حبيب اخر يصطادك لنفسه

ويستأخذك من بين يدي لانه صانعك

فيراك ملكه



( 14 )



لكن

هنا تتوهج صرختها لكن لماذا تدعني يا رب اعشق ومن ثم تستلبني من عشقت !

هنا يكمن تعبها الآلي وغير المنظور



اعلم ان الموت



يعني اعلم انه احد مستخدمي الاله

واعلم سياسة الاقدار

واعلم ان علينا ان نرضى برضى الاله

لكني لا احتمل كل هذا

هنا صرختها مع وجعها وتعبها

لا احتمل وكفى حتى لو كان الاله يعتمل مثل هذا الاداء

لانه خلقني من ضعف

وما كنت الا امرءا ضعيفا يستحيل شبحا من الوجع لو ألمّت به الملمات



( 15 )



ثم تلتفت الى حبيبها

تحاول ان تبعث في نفسه شيئا من الصفاء

بعد ان اقتحمته هي الاخرى بمأتمها العزائي وتدفقها المحاجج

فلم تترك له ما يمكن ان يتسلح به لكي يجيبها

وكما لو كانت تعرف بحجم الثقة التي لوّحت له بها

لكنها انقلبت حنّوا منها على الحبيب

كي تجيب بدلا عنه

لانها تعلم انه وان عبر عن رده عليها

الا انها سوف لا تسمع منه لحن صوت

ولا حتى ارتعاشة نبض لصبغة تنم عن وهج قنديل

فتحمل على نفسها كي تكظم فيها الانفاس المتصارعة لاجلها

فتنكب على مناورة تصيب بها ولعها الداخلي

عبر ولع خارجي يمتد الى انتهاب لسلطة الذاتية

من دون سادية موجعة او طفح مثلج

لكنها تغامر في العزاء

حتى تجلد النفسية بوضوح غامر

كي تتنفس في ظل الصخب الموجع



( 16 )



هنا تبدأ بالتخفيف من مواجعها

انظر الى الدقة

لان كثيرا من الموت حين يفرش عزاءه المتصالب بين احداقنا

فربما كان له ان يتبخر لو علمنا ان المتوفى كان يختان انباءنا

هنا هي تحاول ان تخفف من اوجاعها

كما لو كانت تقف من نفسها موقف المحامي الذي يستبيح لنفسه ان يقف من نفسه موقف الند كي يعيد المواقف الى نصابها ويسترد وعيه المكبول

لتثير في داخليتها شيئا من الصغار

انها تقف ازاء حبيب لم يخنها في حبها

ولم تتبين ولا حتى بعد موته ما يوهمها بترك العزاء وتجفيف كل الاماق

واسترجاع كل العبرات التي كانت ولما تزل تهمي من عينيها



أعلم عدم موافقتك له، ورفضك الغياب عني.





( 17 )





لكنه اختارك!



ما كان سوى الاله

حبيبك الاخر

ولو كان اخر

لما كنت ذرفت عليك دمعة واحدة

ولو كنت تركتني لغيره

لكنه الله



( 18 )



أيها الموت ترفّق بقلب حبيبي وعينيه..



هنا الكلام سابق لاوانه

وهو محمول على سبيل الاستعانة بحقائق دامغة مصادر عليها

لكن التذكير بها

يثير شعورا بالشجن والحس المفيد

لانها كانت تعلم انه رحل عند الاله

هنا يتبدل حوارها مع الموت

هنا يصبح الحوار حوارا مع الاله بشكل غير مباشر

ولو انها لم تصرح

لكنها اثبتت بفارق التلوين والارتفاع عن شبهة الحديث مع الغريم

ليس من غريم هنا

لانها تلتمسه الرحمة من كل انواع الرفق

رفقا بالقلب والعينين

وغيرهما

من التي كان يعتاش عليها حبيبي



( 19 )



لا أدري.. هل بكيت كثيرا يومها؟

لم أعد أذكر..

إنما كان الخبر صفعة في وجه عمري الذي كرّسته لك..

لسعادتك..



هنا تنزاح اثرة الكابوس وحالة الاستيداع

لتعبر عن مكنون صادق

وهي انها كرست من العمر للحبيب ما كرست

الا انه غادرها وبالرغم منه

هذه الحقيقة كانت مثقلة بالادمع غير القابلة للعد والاحصاء

ومعرفة المقدار وقياس الحجم

لكن عتابها يستأخذ صفة اخرى

وهي قد جعلت تشعره بان عمرها كانت ادخرته له

فكيف اذا ذهب

فمن لها بمثل هذا العمر

ولمن ستدخره بعده

وهل كان لها ان تصيب من هذا العمر

الذي كانت كرسته له

هنا لوعة الشوق ولوعة الحرمان

مثل احدهم كان يحلم بان يضع لقمة طيبة في حلق احدهم

فلما مات محروما هذا الاحدهم

حرم على نفسه مذاق تلك اللقمة الطيب

هنا تنازع ثورتها نفسها

وتلقن صيحتها اصالة الكتابة

التي تعلمها كيف لها ان تعيش ثانية وثالثة

هنا تسائل جنبها الذهني



عمري الذي كرّسته لك..

لسعادتك..



العمر =  السعادة

ومنحها تمثل تضحية عظيمة

ولكن

فهل ستغادرها السعادة بعده

إن هو رحل

فهل سترحل معه سعادة العمر باكمله

انه لظلم

ان تحتمل وجع فراقه

وتحتمل كذلك حرمانها من سعادة العمر !

كل هذا لاجل حبيب غادر فلم يقدر عذاب التضحية

وعذاب ان يقدم المرء الاخر له كل عمره

معيارا لصداقته المعبرة عن سعادته في مثل هذه الاعطية

فهي تعطيها عن كرم

لكن صاحبها

يردها عنوة

كم هو القدر مثير

واوجاعه وافرازاته اكثر تثير



تم القسم الاول من شرح قصة السيدة المبدعة ماجدولين رفاعي



جمال السائح

www.postpoems.com/members/jamalalsaieh


View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: