دراسة تحليلية في قصيدة : ثمة الفة لا تصلح الا لغناء .. لس

قراءة في أدبية وقصائد

الشاعرة والاديبة

سولارا الصباح



جمال السائح





( الحلقة الثانية )



تيه الحلم والذاكرة .. ويقظة التحديات الطفولية

في ثلاثية الصمت

والمتجلية في قصيدتها :

ثمة الفة لا تصلح الا لغناء عصفور العزلة



تجدون القصيدة على هذا الرابط



http://www.binlamin.com/pages/solara_sabah.htm





عودتنا الاديبة الكبيرة والشاعرة البارعة سولارا الصباح ان تنسج في ذاكرتنا صورا معينة تنهج ومن خلالها منهجا مسترسلا حينما تبتعث فينا القوة كي نتعاطى مع نسيج الكلمة لديها .. لانه بدون تلك الفجوة التي تعد لها تلك المساحة التي يفترض ان تشغل حيزا واعيا في حنايا دخائلنا يُؤَهّل اساسا لاشغال موقع هام لسفارتها الضمنية التي لها ان تستقطب وحيها المساعد على فك طلاسم قصيدها وحل الغاز القضية الشعرية لديها حال انطلاق الكلم لديها في رحلته القصية والتي لها ان تعانق كل ما له قاع في اعماقنا بحيث يلاصق حدود اللا شعور عندنا ويلامس مساحات الوعي المغرقة في ظل كثيف من الشاعرية الممتزجة بالواقعية ، والمنحدرة تحت ظل من اللا وعي الذاتي الذي ظل ينشغل بكل الموضوعات التي ينبغى ترجمتها الى لغة لا تعيها الا مفاهيم كانت احيت في أديم اللا وعي كل تجاربه الغابرة بشكل مسبوك بمنحة تسوّغ له الاقتران بها ريثما يعي سر وجودها  الحقيقي ليصل بعدها الى عناق المعنى فيها ومن ثم غرز مستواه التظليلي في دياجير مبهماتها كي يستطيل فيه القلم وينعى بعدها سطوة تلك الاشلاء التي كانت اعلنت عن خباء وعيه بمعاني تلك المفردات الدخيلة عليه وعلى كل الاجواء التي حظيت بمختلف تجاربه القديمة المتصرمة ..

هي تكوّن فينا مفهوما يعيننا على فهم لغتها الحضارية

نشعر ازاءها باننا مثلجون بفقاع الغمام المستبد بوطأته علينا

لاننا مبحرون صوبها وكلما ابحرنا باتجاهها وجدنا ان النأي يفقأ عيون رحلتنا

وكلما تعثرنا بقيم الانوجاد اصابتنا العتمة

غير ان قمرا كان ولما يزل يعرش فوق مرافيء سولارا

حينما تجنح نحو استيلاد كل فنون الصبر فينا

بعد ان ترنو الينا بابصار مناراتها العائمة فوق قنن المراسي والموانئ

انها تنير فينا حقبة ما زال أوارها السخيم مشتعل فينا

ما زلنا نشتغل في وعي سبق عهده لكنه غامر في ان يضحي بكل وعيه الاتي

خلنا اننا نصطبر معها على فلذات من الوعي الخالصة والتي عمدت الى صبها في ايديولوجياتها المشخصة بفعل قوالب غالت في احتلامها بعد ان تركتنا نحتلبها من دون وعي

ليتني علمت اي مدى يمكن لسفننا ان تبحر في غيم سولارا

لانها ما انشأته الا كعيون للمطر

خلته وعيا تصابى كقطع الثلج المرمية فوق محيط اصابه الانجماد واعتراه الشك

ثمة وعي يخالج فطرة في دخيلتي

ربما كان للغيم ان يستلقي فوق ظهر الموج في عنان السماء المثلجة

ويوحي لبحارة السفن ان ما من غيم يئن في كبد الليل

بل انه تساقط مطرا مصعوقا بصقيع مباغت

احاله من الاعلى قطعا ماردة من الثلج المتقوقع في اساطيله

يساقط من شاهق ليستلقي في اديم المحيط المنجمد

فيتشاكل على نغمة قطع ثلج غائمة

لانها كانت غيّمت سطح المحيطات حتى اثارت في انفسنا كل مشاعر الانجماد

حتى مشاعرنا اصابها الانجماد

لكن سفينة سولارا كانت تشق فينا الطريق

كي تصهر كل عوائق الاقدار في غلسة تلك الانجمادات

وتعيد حرارة الدفء الى خلجات الوعي فينا بعد ان اصطخب بكل لدائن الوعي فينا

تلك التي كنا شعرنا انها ماتت منذ زمن

عادت فينا تشعرنا بالحنين نحو الذكرى

نحو الصخب

نحو حدائق الذكرى وعنفوان الصبا

حينما لا نجد ما يثلج حقولنا سواها

وحينما نتلفت فلا تغني نظرتنا شيئا عن التأرجح بين وسادات ناعمة

لها ان تعتق فينا كل استياقاتنا الخاصة والتي ظلت هي الاخرى متأرجحة تحت غيم وثير حسبناه ذات ليلة انه انثى تحتبل

هذا لون القصيد في اليوم

عزف لدى سولارا

كئيب لكنه رضي

موشم بكل الوان الفرح لكنه مطعون في كل الجهات

مؤشر فيه يتوالد غير ان ثكنات السحب حوله ما زالت تفتك بنسيج الحب فيه

.............

تفتتح قصيدتها هذه التي اختارت لها جملة نفذ فيها الوعي على حين غرة :

ثمة الفة لا تصلح الا لغناء عصفور

هذه الالفة تفارقنا لكي لا تستعيد تجربتها الا حين تنسلخ عن عالمنا الملئ بوعي مغبش مثير للحقد والكراهية

لكن في غناء العصفور تستقطب كل الملامح المعهودة فيه ومن قبل :

البنت الحديقة.

قلبها عصفور،

تلك الملامح ما زالت تحمل لون الصفاء ونعمة الزمان لان فيها ديدنها من القران الحاصل بين ثنتين من العبقرية المؤزمة لكل تراجيديا الملل والسأم .. هما قرينا كل وجد يمكن ان يحصل تحت وطأة الذاكرة بفعل شرخ متأصل في العماد (البنت والحديقة)

لكننا نجد ان سولارا تدغمهما لكي تنحل حبيبها وعيا يغالب حصالته الذهنية

فما كانت هي الا تلك البنت التي غزت عنوان الحديقة في كل مسلاّت الحكم والتي رسمت فوق ظهرها كل الوان القوانين

هنا تغالب سولارا عناوين شاهقة من الشرائع

لانها لا تجد لونا لها الا اذا كان الغالب فيها لون الفطرة الانسانية والنقاء الروحي

حديقة وبنت

رمز لكل وعي يلازم غربة الصفاء ويفارق كل عرين للهجاء

ومن ثم

عصفور لا يمكن ان يختزل نفسه في داخل قفص الا اذا كان سابحا في دياجيره لكنه استأسر نفسه حينما استأخذته انوار قفص ما كان سكنه من قبل

انه قلب سولارا

ينير له الاضواء نفسها .. فتثلج الانواء بأرحامها حتى تنوء برمّتها تحت هدأة فصولها الضاربة في كل زواياها بانواع التظليل النوري

اسير يبحث عن قضية تعلق مناخاتها داخل رحم الضوء

هي تسترعي حبيبها بكل انعاشات الطفولة التي لها ان تستأخذ النكال من كل جهة تحظى بمساحة يولد في ابجديتها شيء من عربون للضوء

ثم :

وشائج مليئة بالفأفأة والتأتأة،

فم فاغر بالغناء،

فكيف يمكن لسيدة الانبهار القصيدي سولارا الصباح ان تعلن عن ريحا تتنفس الصوت بينما ما كان لعرشها ان يستأسد بين العروش .. او ان تشرع بغناء في اجواء خليّة من غاز يحيي الحياة فيها .. فكيف بالفأفأة والتأتأة ان تجيد الغناء حتى يندلع النور ما بين الشدقين وتتمدد اوعية اللحن بكل ما له من الدواعي التي تنسل عبره كي تتركه فاغرا بالغناء

هنا استيقاف لا يعلن عن نفسه

لاننا كنا مسترسلين

ربما غيرنا كان له ان ينحدر نحو قضية الازمة

ومن ثم يعود بوعيه .. الى الوراء .. الى اول القصيد

هذا ان تطاولت فيه الغريزة فشجبت عنده صولة البركان في التكالب على احداث الازمة التي تحاول سولارا تفجيرها في كل نصاب يحظى به الوعي بمقدار من السقف

لكن لو امعنا في صخب التحملق لتلك الصبية من الكلمات

لوجدنا ان شعورا انسانيا يموج بتلك الاغاني التي ليس لها ان تعرش فوق سدة الفوز بكل الواح التقدير والتكريم الا حين تتوسد حلمة الفأفأة والتأتأة

ذلك ان كلا هذين العنصرين كانا هما وردة ذلك اللحن

كانا هما نواة تلك الانغام التي تفجرت فجأة من ثغر عصفور كان يحلم بحديقة

حينما وجد نفسه في قلب بنت

ظن ان للوعي ان ينشج حينما يتألق فيغرد بأعذب الالحان

لكن تغاريده حينما كان يصدح بها

ما كان ينشق لها طريق الا عبر ثغر بنت تعيش في حديقة قلبها

تغتذي على حديقته المعرشة بكل الوان العصافير

......

لذا فما كان للطير ان يغرد باعذب الالحان

الا اذا كان له ان يسكن قلب بنت تعيش في حديقة

انه لم يغرد من قبل

لكنه حينما سكن قلبها ولامس ذاكرتها وعاصر ايامها التي لم تتصرم بعد

عاش حالة من الوعي بقضيته

فشعر ان ازمته تعيش حالة من الولادة التي لها ان تسجل فأفأة وتأتأة في اولى ولاداتها كما الطفل حينما تعتاقه ازماته فيحاول ان يحكي قصة امجاده التي لم تأت بعد فيغرزها في انواء الاسماع لغة رمزية طلسمية

ما ابدع سولارا حينما تغرد بلغة طفل

حينما تسمعنا عصفور يحكي قصة الذكريات التي عاشتها منذ نعومة اظفارها

انها تقدمها عرسا ثاويا خلف جدران كل الغناء الى حبيبها

حبيبها الذي يعشق غناء الطيور وما خال نفسه الا عاشقا للغة القلوب :

ويبحث عن لغة.

هنا هي تتوسد قضيتها كما لها ان تهتصر غريمها خاصة حينما تشعر القارئ بغرام عتيد يمتد عبر صخرات المرسى وغضبات النأي المتأقلمة مع وشائج لا تعيش الا في البعد :

وشائج مليئة بالفأفأة والتأتأة،

هكذا هي امام اول مفاتيح تلك المعاني التي تقبض على ولادات حروفها ومعاني كل مناطاتها المتماهية مع جذوة التعاطي مع الضوء النابع من اعماق الذاكرة حيث تتوالد الذكرى وتبتعث الحزن مادة لصناعتها كما الورد يحاول ان يتفتح ولم يفعل بعد حينما يقص حكاية لم يفصح عنها بعد لانها مضمرة في زمن آت لا يزال يقر في رحم الوعي المقبل .. ولطالما كان حلما تسجله سولارا حين تشعر ان غربة القدم ما كان لها ان تتفتح الا عند مفترق الطريق المتقدم بها صوب المستقبل حين يكون لها ان تغير بهجتها بقميص للورد كالطفل يبحث عن وعيه القابل في زمن آت غير العصر الذي يعيش فيه حتى تضطره اللوعة الى ان يشرأب في وضع حالم كي يختال بنفسه لينظر اليها كيف تكون في غد من الخيال :

حرف يمنحك الضوء،

قميص الورد.

يشرأب في صهوة الحلم لزمن آت.

يقص حزنه في ماء الغموض،

فتصير كالطفل بعدها حين يلهج بلغة لا تفهمها سوى عصا الحس والنظر

ويبحث عن لغة.

لكن لغته تلك بقدر ما هي مبهمة تثير الوساوس ، بقدر ما هي بريئة تصخب باتجاه الشعور بالحب نفسه :

وسوسة بوجهة المحبة،

لانها توحي بلغتها ليس فقط بالغناء :

فم فاغر بالغناء،

أغنية وثلاثة أحرف.

واذن فثمة دخيل ليس بالغريم لكن غرام القلب عالق به

لانه اقترن باغنيتها التي ما عبّرت الا عن وحي ذاكرتها التليد

ثلاث حروف !

يعبر عن اسمها .. اسم

يعبر عن لونها .. لون

يعبر عن طعمها .. طعم

فما له لون وطعم لا بد وان يعبر عن رائحته المتجذرة في العناء

عناء يغالب الذكرى لانها ابدا تعيش في اعماقنا لتعبر عن عناء نحس بها تجاهها حينما نعيا في الوصول اليها عندما لا نستطيع العودة اليها او ان نحس بها ثانية او ان نعيشها من جديد فنغالب القلب فينا كي نحس بوعينا القديم حينما نستحضر ازمنته الراحلة

تلك هي زاوية القصيد في وعي سولارا حينما تنبس شفتاها بعنونة خاصة تعرب ومن خلالها عن لهجتها الحوارية مع ذاكرة الايام

ألملم ما تبعثر من كأس الكتابة،

والقلب يثرثر بحروف ثلاثة،

صاد،

ميم،

تاء.

لانها كانت تعلم ان لغة الصمت هي ابلغ لغة في مسير المرء نحو تمتين صلته بعالم الوحي والجمال والابداع والغلبة المتأتية من فواح الرائحة وشهية الاقبال على تناول ايام كان هضمها الوعي من قبل لتجترها كي تلوك بها من جديد وهي متأكدة انها تقوى على الحراك ثانية وثالثة وانها لو هضمتها ما كانت عسيرة على معدة اللا شعور لديها لانها تسترجع متانتها ثمت من جديد حينما تهدأ في العتمة قليلا لتساورها الاحاسيس بان شخصها ما زال يهتم بها فتولد من جديد وتنبعث في الذكريات كل حياة جديدة .. سيّما حين لا تفتأ اقدار شخص مالكها والذي لا يكون شخصا عاديا لانه كان سولارا الصباح تلك العين الثاقبة التي لها ان تجتر ذكرياتها التي عملت على هضمها في السابق لتعيد اليها الحياة ثانية وبلون وطعم ثان ورائحة اشهى .. فكلما اعادت اليها الحياة من جديد وجدت فيها طعما اشهى ، ذلك لانها تخرجها من حزنها المأزوم :

أخرج من حزن أمي.

اذ انها ما وجدت طريقا اليه .. يخلصها من احزان الماضي ، الا عبر تأزيم حالة داخلية ، تتنامى بشجن وألم صامتين في صومعتها النفسية وتغليب الوعي الصادق على الوعي الكاذب في حالة مزدوجة من الغليان وحرب الذات :

أكسر كأس الكآبة

لان الكآبة وريثة الصمت ، بيد انها تورثه كذلك غير انها ما كانت تفترق عن لغة الكلام بصمت اخر يبيح لها فهم يقود بها الى علم لا مناص عنه :

وأعلم أنه الفطام.

فتحتمل لغة الايذاء الذاتي ونعيب السادية لضرورة وقحة تلح عليها كي تفوز بلذة الخلاص من وجع لا يزال يؤرق كل حلم يغزوها بشوق متآكل :

أخرج من حزن أمي.

هنا الخروج من الحزن الامومي لا يحصل الا اذا احس المرء انه اصبح اما ..

هي كذلك

تحس بانها تنطلق في عالم الامومة

تحس باحساس الامومة

لذا فهي لم يحصل لديها مثل هذا الشعور

الا اذا كان لها ان تودع مشاعر الطفولة القاضية بتماهيها مع الام ومشاعر الام

حينها سيكون لها شعور خاص بها بعد ان كان جزءا لا يتجزء من شعور الام نفسها

هي الان تغالب مرحلة انتقالية

كي تعبر الى مرحلة اقوى

لكنها كيف والحال يوعز اليها ان تقف من كل ما خلّفته وراءها بان تبقى على صلة اكيدة به حينما تتوسم المقبل من الايام وتجد ان وعيها من اللا شعور ما يزال يعيش ايام الطفولة وتلك الاحرف التي الهبت باسواطها كل سجالاتها من اجل التحول والاندماج في زمن آت ولا يزال يحتل ذاكرتها المطوّعة بسيل حركي مع حركة العمر المتقدم :

ألملم ما تبعثر من كأس الكتابة،

والقلب يثرثر بحروف ثلاثة،

تختصر قضيتها في هذه الثلاثة احرف لانها تسكن روحها وتقبض على وعيها اينما امتد به اليراع والخيال .. بل انها تمتد اكثر حينما تجد نفسها مأسورة كل هذا الشجن الذي يقلب بساط الحرف في دخيلتها وبشكل تسبح معه حتى تصل الى نهاية الحرف الذي يليه ومن ثم تعود لتترك يدها ترسو فوق عارضة الحرف الاول تباعا .. هكذا ومن الاول !

حرف يمنحك الضوء،

ثم تعمد الى شرحه

......

لانه اولى الحركة نحو التزام العصا حين الوقوف على مهد الرحيل اوائل الصبا

الحرف الثاني بقلب الولد المجنون،

ثم تعمد الى شرحه

......

لان مراهقة الانسان تبتعث فيه كل خيلاء كي تصيب فتاها بجنون حبها

وحرف تميمة بصدر أمي،

ثم تعمد الى شرحه

......

لانها سوف توزع عمرها بين تلك النوايا التي كان زرعها فيها حب امها لها عبر ذلك الصدر الذي انعشها عمرا وتحاول الان ان تنعش ومن خلال نفس الصدر بفارق انه اصبح يحيا في عضويتها الجسدية وليس عضوية الام حين يكون لها ان تغذي ومن خلاله طفولة جديدة بعد ان تحصل لها ولادة مفعمة بالفأفأة والتأتأة لتورثها كل ذكرياتها التي عاشت معها وتعيش حاليا ..

انها لغة الحب التي تأكل فيها

جنون وصدر وضوء

عنف في الحب والجنس

صدر يشتهي الارضاع

وضوء لا تتحسسه الاعضاء الا في عمر اللحظات التي يكتوي بها صاحبها بلذعة الحب ولوعة الحركة المتباعدة بين الجنون والصدر الذي يمثل قمة الاشياء واوج اللذة حينما يقوم لها البأس وتبلغ شحناته حدا مجنونا ..

تتنسم الحواس وقتها ضوءا ينقلب صوتا كما البرق يتهيأ بمزاجيته كي يعلن عن انقلاب في الحركة المتحولة الى صوت الرعد ..

كذلك هي عملية الحب لون من العمل يتلامع في ضوء يزخرف ترنيمة الاعداد لصوت تتأوه عبره السماء وتخضل لها كل واجهات الارض بعد ان تمطرها بما له ان يحييها

سولارا تعرض لعملية الاحياء

الذكرى لديها تقوم على موسوعة الاستيلاد

لها من الزخم ما يثري كل لوحات العصر من حولها

بحيث انها تعزز غناء العصفور الذي تتركه يحتل مكانا له في قلبها

كي توفر عناءه ليومٍ تبعث فيه العواطف المتأملة في ثلاثية الصمت الداعية الى تكرار نهج انوثتها المستنبطة اياه من صدر الام ووحي حنانها الذي تصيب به فتاها بجنون الالفة والذي ما كان له ان يحصل الا من خلال بعث وجود كل قديم في عيون ذاكرتها واستجراره صوب استثمار اكيد لا يحصل وراءه الا ولادة نضرة تبهج الروح وتسرّ النفس :

يضرب الأمل،

بخيزران الصباح.

يهش عصافير الغناء,

لتنثر البياض فقاعات،

تستحيل البنت على يديه يمامة.

يطير القلب تجاه الحديقة،

يرفو كملاك في وهج.

من وطأة العشق: القلب فضاء طليق.

هكذا تعبر عن حلمها الوردي الذي لا يزال يحيا في ظلال حديقتها لانها لم تعايش الواقع الحقيقي بعد والذي يمكن ان تعبر فيه عن كل مسؤولياتها وتجسد حركتها الواقعية في اطار من التوجه والتوجيه ...

يحدث مثل هذا لانها وليدة تلك اللحظة التي تعيش في عاجيتها

لانها ما تزال تتغنى باحلامها

لانها ولما تزل تعيش على لقمة توطد لها العزم على استيلاد ايامها الاتية

ربما وضح لها لون النهار

وظنت ان ما بلغته من قلب الحبيب هو الهدف الكلي والاسمى

لكننا سوف نجدها فيما بعد كيف تتضح لها اهداف ومعاني اخرى اسمى واوقع في النفس مع انها لم تتأت الا بعد ان اغنت القلب بكل اشواقه واطفأت نيرانه النفسية والجسدية وهنا كانت سولارا سباقة ومقدامة في التعبير عن منهجها الخاص في ان الانسان عليه ان يحقق اهدافه النفسية والعاطفية والجسدية لانها واعز ومرحلة متقدمة للوصول الى مراحل اسمى واقدر واثرى ... مما يضيف الى وعينا بفلسفتها وعيا اخر اكثر عمقا وابعد وقعا !

لان كل ذلك كان يعبر عنه الحرف الوسط في ثلاثية الصمت التي تتداعى لها ذاكرتها وان هذا الحرف له ان يمسك بصمتها ـ الذي له ان يتفجر ـ ومن الوسط كما يمسك المرء بالعصا من وسطها كي يحل ازمة يعاني من اوصابها ..

لكن الحرف الاول .. لا يمكن تناسي ضغطته الفجائية لانها مرحلة يعيشها المرء بين غفوة ويقظة .. يحس بنثار المطر ولما يشعر بالوجل من زخاته حتى تتصل حكايا هطوله بوعي نابت في العمق يكاد يحدثه عن سيب ربما يطول وان ضعف الا انه سوف يعاود السقوط وهذا ما سيولد لديه تجافيا عن القعود والانتظار ، فيهب الى استرداد وعيه الماضي بكل جرأة نحو انتهاب خيلائه الذي كان اضمره في عهوده الاولى كي يستثمر منه كل السداد والنصح والركيزة في الخطو والانتقال .. بسبب من الفروض التي يستحملها لعلة واخرى :

قميص الورد.

يشرأب في صهوة الحلم لزمن آت.

يقص حزنه في ماء الغموض،

ويبحث عن لغة.

وسوسة بوجهة المحبة،

يغني:

"يا حادي جرحتني نايات القصب"

ويشعشع القلب في القفص.

انظروا الى مرحلة الانتقال حين تصف لنا الشاعرة ان قميص الورد ما كان يبحث الا عن لغة غير مفهومة لانها حبلى بالوساوس ذلك انه صاحبها كان ولما يزل يحيا في ظل التفكير بزمن آت .. يعيش مثل هذه الفكرة في ظل الخيال والحلم .. كل هذا كي يدفن ما تراكم في وعيه من حزن يعبر عن الازمة التوعوية في داخل الانسان نفسه وانه يخرج من وعي الى اخر ، وانه يغالي في حرب العناصر المتآكلة في نفسه كي يسعد حدائقها الغناء بشحنات ليس لها ان تتآكل في الغد .. ذلك انه يعي ان الغد بعيد وان السير اليه طويل المسافة وان التشوف اليه اجدى في الحصول على ريع من آيات نضالاته .. وان كان لا يتوسم فيها الا حزنا يختنق في مياه الغموض لانها تستعسر عليه وهي لا زالت عصية على الفهم او الادراك لها من قبله ..

فمع كل هذه النضالات من التأزم والانفلات في الادراك والوعي الا انها تترك ادواتها تتحرك من اجل استجلاء الواقع الاتي قبل وصوله وانها تحاول بعدها ان تركز رمحها في واقع الاداة الحركية لحياتيتها الانسانية وانها تخط عمرها بيدها وان الاتي من الايام يجب ان تقوم هي بخلقه لا ان تنتظر وصوله حينها تحيا في كنفه

لا .. هي تحاول بلوغ الغد ... ومن قبل ان تتصرم ساعات اليوم

كم لطيفة هي هذه التوسمات في معاني الكلم لدى هذه الشاعرة العملاقة

حينما تتركنا نستوحي مصائد لا نغمس فيها الا واهيا من الالق كنا تسلقنا عنده معابر غطّت بظلالها عيون الغدران التي ظننا اننا نحيا فيها .. بينما تثلج معانينا بوحي خطاها حين تتصاغر امام خيلاء جيشها من المفردات والتقنيات غير الملحوظة لا لعدم منها بل لانها لا تتمرأى لنا بسهولة الا بعد استيعاب تطول عهد ساعاته بفاقة تأملاتنا له :

يغني:

"يا حادي جرحتني نايات القصب"

هنا تقلب مواجع الصبا وتنثر رحيقها خلف خطوها الذي يعن لها من ورائها كي تترك لها اثارا .. تخلّفها وراءها .. تزرع الارض بها في عقبها .. كي تكون درسا للاجيال وعبرة للمآثرة والاهتمام .. هنا يحصل التوزع بين الماضي والحاضر واولى التجارب التي تخرج فيها عن صبغة المعاني التجريبية الاولى والتي ما كانت الا انها ترزح تحت نير الضعف ووطر النحافة في الاستأخاذ ..

فأين هي اليوم من لحن الفأفأة والتأتأة

وهي اليوم يغرد قلبها بالغناء

ليكون بمستطاعها ان تتغلب على لغة الوسوسة غير المفهومة

وتعبر بالتالي عن وجع الازمة الذي يغمر وجهتها الاساسية والاصلية

"يا حادي جرحتني نايات القصب"

لانها هنا تعارك الصلب من القضايا

هي الان تتغلب على وعيها القديم الذي كان يعيش ايام طفولة ليس لها ان تقاوم او حتى ان تمشي فوق نايات القصب

لكن الان ترى ان زمانها ومكانها قد تغير

وان المسؤولية هي ابهظ واقوى واثقل من مسؤولياتها في ذلك الزمن المنقضي

بل ربما ما كان لديها من مسؤوليات في ذلك الزمن

سوى ان الغير كان يعهد مثل تلك المهام الى نفسه تجاه كل ازمة تئن تحت طائلها

حينها سيكون لقلبها ان يشع فرحا

لانه يعيش مسؤوليته الكبرى

ويشعر بنجاحه في امتحانه الاول

وانه قد غادر عهده القديم واصبح أهلا كي يمرر حبه وقضيته لكي تأخذ مساراتها بين القضايا وتعالج كأزمة بين الازمات لقلبها ان يرى النور حتى لو كان ولما يزل يعيش حياة القفص وانه ما زال يتصل بحبل رشيق بتلك الحقبة من الزمان المتوالي عليه في الماضي :

ويشعشع القلب في القفص.

تلك الفرحة التي تغمرنا حين نقوم بعمل موفق

حين نبدع

وحين نجد الرضا يعوم فوق شفاه كل من يحتضن نجاحنا بشغف

حين يتعملق فينا الغرور الذاتي وتجنح بنا السعادة نحو كل خيلاء واخر

نعيشه بين اجنّة تلك اللحاظ التي تغمرنا بثنائها وبكل منقبة حتى لو كنا لا نستأهلها حقا

لكننا نعرف انه اول الطريق نحو اغتمار النفس بانواع الفنون الصاحية في الحياة :

وحرف تميمة بصدر أمي،

ارشفه من حليبها في الصباح.

أكسر كأس الكآبة

وأعلم أنه الفطام

أخرج من حزن أمي.

لانها هنا كانت حققت ما سعت امها الى تحقيقه

وليس هذا وحسب

بل انها اصبحت ما تأمّلت الام ان تكون عليه ابنتها

بدليل انها ارضعتها لبنا ما ضاع هدرا

فأصبحت البنت تشعر انها وبالفعل ما كانت الا عند حسن ظن امها التي ظلت تغدق عليها من حليبها كي تقوى على ايامها وحين بلغت اشدها ، لم تستطع ان تقف على قدميها وحسب بل ان تثبت لامها انها فعلا خير خلف لخير سلف :

أخرج من حزن أمي.

حينما كان لها ان تقضي على الكابوس الذي أرّق امها المليء بالحزن نتيجة الخوف على مستقبلها والتخوف عليها من وهدة الزمان الاتي .. ولا تخرج منه الا شعورا منها بالمسؤولية تجاهه والا فما كان لغيرها ان يهتم به لو اراد ذلك ..

.....

فلسفة الحروف الثلاث التي منحت الغناء كل وعيها به

وكل الثناء

وكل القوة التي كانت وراء عصفورها الذي سكن في حديقتها

حديقتها تلك التي لم تكن تحيا الا في عهد البنت :

البنت الحديقة

قلبها عصفور،

وشائج مليئة بالفأفأة والتأتأة،

هي نفسها التي عنت لها بعد ذلك وفي زمان اخر بلغة لا يعيها الا وفائها لمبدئها الام

وحرصها على ان تبلغ ما تبلغ

وان بلغت

فحرصها على ان تبقى وفية لتلك الذكريات والايام التي علمتها كيف تحبو

ومن ثم مهدت لها كي تتعلم المشي والاسترسال فيه

بعد ان علمتها كيف تقف على مواجع قدميها وتطيل بلحظات الصبر بين مهادها

فما زالت وفية لماضيها

لانها ما كانت تفتقت الا عنه

لذا فهي ما تزال تحيا وان بلغت ما بلغت وفية لنصاب التحنان الذي استاقها لكل تلك المستويات الحافلة بكل المكاسب والعطاءات :

ويشعشع القلب في القفص.

لانها ما تزال تعيش حزن امها

وحزن ارضها

وحزن شعبها

وحزن زمانها وما يجري فيه

وحزن ماضيها ومضارعها ومستقبلها

فلئن بلغت لديها الفرحة كل مبلغ

ولئن استأخذتها السعادات كل مأخذ

فحزنها لا يزال يعيش في ذاكرتها وللحين

لانها ما برحت تفكر وتتأمل عبر ثلاثية الصمت

وتفكيرها يجرها الى ان تعيش الام الاخرين وتجتر وعيهم الاستنزافي

هنا تكمن سعادتها الاثيرية والابدية

لانها كانت ولما تزل تصحو على انغام عصفورها

الذي ما يزال يعيش في قفص قلبها وان كانت تنعته بالقلب

لانه كان لها قلبا ثانيا وثالثا

يشعرها بصمت الناس من حولها

وانه ما كان للصوت الذي تنطلق منه همساتها الصامتة الممتزجة في ثلاثيتها

الا صوتا يعبر عن دفق التزامها بالموروث وعمق اهتمامها بالحاضر والمستقبل

لانها غير صامتة وان نعتت افكارها بثلاثيتها المتبرجة بلون الصمت

لانها ما تزال ترضع الحب من ثدي امها :

ارشفه من حليبها في الصباح.

ولانها ما تزال تعيش براءة الطفولة ومهد الصبا :

البنت الحديقة

قلبها عصفور،

وشائج مليئة بالفأفأة والتأتأة،

هذا هو الشعر الموجع بكل فرحته وألقه

هنا يكمن سر سولارا

.......

آمل ان اكون وفيت في هذه الحلقة بجزء يسير من الفهم لهذه القصيدة

ولو انها تحتمل تفسيرات ومرادات اخرى

يصعب الاحاطة بها

فاكتفي بمثل هذه الاشارات السابقة والمطولة

.......

جمال السائح

Almawed2003@yahoo.com

www.postpoems.com\members\jamalalsaieh


View jamalalsaieh's Full Portfolio
tags: