بقلم ذكرى محمد نادر

الأحمـــد وجـمـــرته

ذكرى محمد نادر

بذاكرة مشحونة بالحرب والحب، وغباء القنابل وأخاديد ذكريات مبهمة أحيانا، وضاجة على الغالب يفتح محمد الأحمد، ومنذ الإهداء الأول خزينة المفجوع بفقدان عزيز لأخ لم يعد موجودا – ربما ألا أن انتظاره ما زال ماكثا في أوجاع والدته المترقبة لخطوات قد تعيده إليها.  

في خرابٍ يحمل جمالات ألقه انشأ محمد الأحمد عالم قصصه في مجموعته ( جمرة قرار أبيض) منذ الغلاف الموزع ما بين الرقص الأزرق على حبات البيانو بكف وحيدة مبعثرة ما بين دفتي دم اللون الأحمر، وبراءة خديعة الحرب من إثم تواجدها، وحتى اقتراحه الأخير علينا وهو يقول:

- " أنا الروائي، ونصوصي متداخلة بحصانة الحرية التي اكتبها ابتكرها، فلا عجب من الشعر الذي تمتـلئ به حريتي بالقصِّ الذي تبتكره مخيلتي ".

على مدى ثمانية عشر قصة يداهمك الأحمد بما ليس من السهولة أن تتفاداه أو تحزره في لغة متواثبة تقفز حولك في لعبة شغوفة بالخديعة والالتفاف فيبادل الحرب بتراكمات أشواق مهولة لم يتمكن ورق قصصه من استيعابها، ويغمر الحب بجو حربي ملغوم فتتداخل – كما هو حاصل في الواقع – وبشكل متواصل في كل ذات عراقية عموميات الوطن مع أدق الخصوصيات الفردية فتخلط الصور والتداعيات وتتداخل حتى يصعب الفصل فيما بينها.

عالم الأحمد القصصي متخمٌ بالحزن سوى أنه لا يعرف اليأس، مشبوب بنضال من بنضال من يبحث في عتمة شديدة عن خلاصة في التقاطات ذكية لشخوص يتعالون أحيانا عن أنفسهم أو يرتمون ثمة في أوجاعهم عندما يتعبون ألا أنهم يحافظون على هيئة أمل صفية غير منسوفة، بعد، في خضم الحرب اليومية القائمة، وبلا إسفاف يفترض الأحمد أن بعض الخلاص يكمن – ربما على سعادة الجنون، في التخلص من هموم الذات المفعمة بلهو الذكريات الموجعة وصليل واقع أثم لا فكاك منه (القصة الثانية في المجموعة بعنوان محمد أحمد) الجنون أهو استعارة زمنية قصيرة تهربا، ام عبقرية مؤقتة في تفادي ما يتوجب عليك دفعة من الألم، لعلك ستقرر هاجسك منها، حينما نعيشها.

وبثبوت غير سلس على الإطلاق محكوم بالغياب القسري، ثم بالانتظار الحزين لأناس أحبه رحلوا، هل نعوضهم باستحضار أحلام تجمعا معهم نترقب حواسنا غرف أصابعهم على الأبواب على تفتح وجوههم على مداخلها .

فالمرأة في قصة ( بعد الجمر .. قبل الرماد ) تراوح في مكانها  بكم من اللهفة الحرب وأبقت على احتمالات أحلام معذبة في ……….

من الألم الشديد بسبب الغياب تستعير عودة مرجوة، كم هو واسع ورجيا هذا الحزن حيث الرقص على حواشي الألم يفلح الأحمد أن يحرك بقوة في التمادي . في أن تنظر مجددا ومطولا إلى أحزانك ومن ثم أحزان الوطن .

الأحمد – المصر على حداثوية أسلوبه، كما هو مصر على أن يكون ذا أسلوب مميز وصادم يشبه الصفعة التي تعني الأفاقة من الإغماء! يلقي فيه محمد الأحمد في هوة قرار ساحق في القصة القصيرة الحاملة لاسم المجموعة (جمرة قرار أبيض) حكاية رجل (عراقي) جدا في اختياره الانتحار والبطولي والحزين أيضا عندما يعلم أن زوجته حامل وكان قد قطع الأمل لعله فيه وبدل أن يفرح الرجل كما سيفعل أي رجل آخر فوق أطلس الكون يجابه نفسه وزوجته باختيار للحل الأمثل لكرامته ورجولته: انك طالق!!

قصة في صفحة واحدة فقط تختزل فهما كبيرا لسيكولوجية الفرد العراقي وبالنهاية هي تمثل مجتمعا كاملا يمر تواريخه المتعددة ، النفسية الواقية التي ستختار ألمها الصادق طائعة لمصيرها دون أن تكثرت لحجم البؤس المترتب عليه، فهو لن يصدق مطلقا أنه الوحيد الناجي بسلالته من موت مليون احتمال أخر حينها في التباس مثير حين يضع الأحمد الرجولة على المحك: هل ترتقي لنفسك هذا الوهم الرائع أم أنك ستنهار قبل انتحارك الخاص؟ هناك على تلك الصفحة الوحيدة لقصة المختزلة لنفسية مجتمع كامل ستداهم النفس بذات التساؤل فيك قصة لن  يستلم للتصديق بأنه الحاجة الوحيد التي سينفذها الخط من براهن التعاسة والانقطاع السلالات فيختار بكرامة أن يوقع وثيقة موته وتفصيلها على ربية احتمال أنه ربما لن يكون الأب!) هو أداء قد لا يتخذه أي رجل أخر في العالم غير عراقي جدا دائما مقارنة مشدودة بيت وترين في كائنات الأحمد هي لم تأت عبثا ولا تود الذهاب بلا بصمة، هل أفرغ محمد الأحمد ذاكرته ؟ لا أطن فهي مشحونة متواثبة بكم هائل من تسود الألم حتى يخيل إلينا أنها ستفتخر بنا وهو يون هذا فينجذب في نهاية نصوص، ( رقصات وجع أحلق بها ماخراً عباب الظلمة عابرا جبروت الغربة.. وحيدا في النشوة)، وفي غربته يقاتل الأحمد ينحت جدار الحزن واللاجدوى ويترك أفراده سيحيى في فضائلهم بسعفهم بذات الغربة يؤطر شخوصه بلغة ساخنة وشجية، كذلك يزجنا عنوة في نصه الأخير الجميل الحامل لعنون اختزالي رائع (خسارة متأزمة بالفقدان) وما أكثر الفقدانات؟ هنا حيث يختلط دائما بالضد مع بعضها فلا وجه واحد يحققه الحق يكون عيون للحب والموت قد يفتح أزاهير مياه أخرى قد تشرق في بؤس خلاص ما نص رشيق باحث في قمة الأحداث والأحاسيس والهواجس في حيث ما عن دليل وهداية، في وجع غزر أفصحت عنه كثافة اللغة وجماليات الاستعارات والدلالات، في نصه الأخ خاصة يعلن الأحمد عن إصراره على الإهدار مثلها يصر وهو محق حتى في أن يقول  تجربته بشجاعة قراره الشخصي أي العالم المعلن المشحون بتجارب ثرية مفزعة بها في حقائق بقدر ما فيها من الوهم ألا أنها لن تنحني وحتى أنفاسها  الأخير وقبل استراحة القدر الأخيرة تلف عن الإعلان عن وجودها الذي تستحقه فهذا منح الأحمد بالتمادي في معنا بالنظر مرات عديدة أن أحزاننا بأسلوب يصر فيه على الحادثة الواعية للخطوات كما يصر فيه على التميز.

1999


View alahmed's Full Portfolio
tags: